الرأي

مجلس الشورى مرة أخرى!

محمد العوفي
تصريحات أو تعليقات ممثلي أو أعضاء البرلمانات تعد رأيا عاما، وتكون أكثر أهمية عندما تتعلق بالاقتصاد والحياة الاجتماعية والوضع المعيشي للمواطنين. وكلما تضمنت بيانات رقمية مقنعة تبين الأثر الإيجابي أو السلبي لمثل هذه القرارات، وما يمكن أن يقدم لتخفيف الأثر السلبي على الوضع المعيشي لهؤلاء المواطنين كانت أكثر واقعية وصدقية. وما ينطبق على أعضاء البرلمانات يفترض أن ينطبق على مواقف أعضاء مجلس الشورى لدينا، على افترض أنهم صوت الشعب والمدافع عن حقوق المواطن أمام الجهات الحكومية، ونقطة الاتصال بين الجهات الحكومية والمواطنين، أو على أقل الأحوال أن يكون لديه رأي حيادي إن لم يكن يعمل لصالح المواطن، ويعبر عن رغباته وتطلعاته. لكن المجلس مرة بعد الأخرى يثبت أنه يغرد بعيدا عن تطلعات المواطن البسيط، وآماله وأحلامه التي أودعها تحت قبة البرلمان، فالمجلس لم يعد صوت المواطن الذي كنا نتمنى ونعتقد، وأعضاؤه منذ أعلنت الحكومة عن توجهها نحو سياسة الترشيد ركبوا الموجة وأكثروا من استخدام عبارة الترشيد في مواضع لا علاقة لها بالترشيد إطلاقا، وخلطوا بين الترشيد وزيادة الرسوم في مواضع أخرى، وكلنا نعرف أن الترشيد في رسوم استخدام المرافق الحكومية، وزيادة الإيرادات غير النفطية يسيران في خطين متوازيين ولا يمكن أن يلتقيا. والأمثلة كثيرة، لكن أقربها وأحدثها تعليق الدكتور فهد العنزي، عضو اللجنة المالية في المجلس في تقرير الزميلة صحيفة (الاقتصادية) حول اقتراب رفع الدعم عن 7 خدمات كانت الحكومة تتحمل فيها 50% من تكلفة رسوم خدماتها على المستفيد، وهي: الموانئ، وجوازات السفر، ورخص السير، ونقل الملكية، والمخالفات المرورية، وتجديد رخص العمالة المنزلية، والحماية الجمركية لـ 193 سلعة استهلاكية، عندما قال إن الرسوم على الخدمات تهدف إلى ترشيد الخدمات، في حين أن الحقيقة التي يعرفها الجميع أن رفع الدعم عن هذه الخدمات يهدف إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية، ولم يتطرق إلى أثر هذه الرسوم على الوضع المعيشي للمواطن البسيط، أو التفكير فيما يمكن تقديمه لرفع الضرر عن هذا المواطن، أو الأثر الذي تحدثه زيادة الرسوم على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين. ما أعرفه، ويعرفه المختصون في المال والاقتصاد أن الترشيد الذي تعمل الحكومة عليه يتعلق بالنفقات العامة، وليس برسوم استخدام الموانئ، ورسوم جوازات السفر، ورخص السير، ونقل الملكية والمخالفات المرورية. والحقيقة الأخرى أن الترشيد الذي قصده عضو مجلس الشورى في رسوم هذه الخدمات - إن صح ما قاله عضو المجلس - لا يصب في صالح الحكومة، لأن الترشيد يعني تراجع إيرادات الحكومة من رسوم هذه الخدمات، وهذا يتعارض مع توجه الحكومة في زيادة إيراداتها غير النفطية. الحقيقة أن هذه التصريحات تضاف إلى بعض مواقف المجلس السلبية تجاه بعض التوصيات الهادفة لرفع المستوى المعيشي للمواطن، كقرار رفع الحد الأدنى للراتب التقاعدي إلى ثلاثة آلاف ريال، والسماح للموظف الحكومي بالاشتغال بالتجارة، وجميعها قوبلت برفض المجلس لها، وفي المقابل قدم بعض أعضائه اقتراحات وتوصيات ستزيد من الضغوط المالية على هذا المواطن، كمقترح رفع أسعار الخبز، ورسوم النفايات، وغيرها. صحيح أن مجلس الشورى سجل مواقف سابقة وتبرأ من تصريحات بعض أعضائه التي أثارت جدلا في المجتمع السعودي، ووصفها بأنها رأي شخصي، وتعبر عن وجهة نظر شخصية، وأنها لا تمثل رأي المجلس، لكن رأي عضو مجلس الشورى المنوه عنه لا يزال يمثل وجهة نظر المجلس، لأنه لا يزال عضوا في لجنة معنية بالمالية والاقتصاد التي يفترض فيها أن تتولى دراسة الأثر المتوقع لمثل هذه القرارات، علاوة على ذلك أن تبرؤ المجلس لا يعفيه من إعادة هيكلة لجانه وفق التخصص بما يرفع عنه الحرج. شخصيا، كنت أتمنى أن تكون تصريحات أو تعليقات بعض أعضاء مجلس الشورى في مستوى الحدث، وأن تقدم رؤية شاملة مبنية على حقائق رقمية أو استشراف مستقبلي لأثر كل قرار أو أي رسوم تفرض أو تلغى، فلم يعد الكلام الإنشائي الذي يخلط بين المفاهيم العلمية مقنعا حتى لرجل الشارع البسيط. alofi.m@makkahnp.com