نظام عالمي جديد؟ إنه مثل النظام القديم!
ها نحن نواجه روسيا مرة أخرى من وراء المتاريس. كيف حدث هذا؟ منذ فترة قريبة كان الغرب يحتفل بانهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعي: نصر تاريخي تم تحقيقه دون إطلاق رصاصة واحدة. روسيا ستنضم الآن العالم الحر كاقتصاد رأسمالي
الاثنين / 21 / جمادى الآخرة / 1435 هـ - 23:00 - الاثنين 21 أبريل 2014 23:00
ها نحن نواجه روسيا مرة أخرى من وراء المتاريس. كيف حدث هذا؟ منذ فترة قريبة كان الغرب يحتفل بانهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعي: نصر تاريخي تم تحقيقه دون إطلاق رصاصة واحدة. روسيا ستنضم الآن العالم الحر كاقتصاد رأسمالي، مع ما يشبه المؤسسات الديمقراطية. نهاية الحرب الباردة استطاعت أن تنهي المواجهة بين الغرب والشرق، والتي تطلبت إنفاق كثير من الثروة الأمريكية والاهتمام السياسي الأوروبي على الدفاع. بالتعاون المتبادل ضد تهديد الإرهاب الإسلامي المتطرف، سيتبع ذلك بالتأكيد فترة من الازدهار العام. كم يبدو ذلك غريبا وساذجا الآن؟ الخطأ بالطبع كان الاعتقاد أن الحرب الباردة كانت حول خلاف إيديولوجي، معركة أفكار. لكن اتضح أنها كانت حول كيفية خوض الحروب للحصول على الأراضي وسلطات جديدة. فلاديمير بوتين لا يقدم عملية ضم شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار الحكومة في كييف على أنها حرب من أجل البروليتاريا العمالية، أو كفاح ضد القوى الرأسمالية العالمية الشريرة. ليس هناك نظرية حول تحسين الظروف الإنسانية في هذه الحالة، أو أي وصفة من أجل شكل أفضل للمجتمع يمكن أن يؤمن العدالة للعالم. القضية مجرد استيلاء على الأراضي بذريعة الهوية العرقية. السيد بوتين لا يعطينا أي مجال للأوهام: المواجهة التي سيطرت على النصف الثاني من القرن الماضي لم تكن أبدا حول تحرير عمال العالم من قيودهم، أو فضائل المبدأ الجماعي. كانت تدور حول الطموحات الوطنية وشهوة السلطة. إذا كان ذلك صحيحا فإن كانت تلك الثروات والجهود التي كُرست للفوز بالقلوب والعقول، للتخريب والدعاية المضادة، كانت هدرا للوقت والموارد. وسائل الإعلام الروسية تخضع لسيطرة محكمة مرة أخرى من قبل الدولة وتقدم كثيرا من المعلومات المضللة حول إيذاء الروس في أوكرانيا، ومؤامرة الغرب لتقويض المكان الصحيح لروسيا في العالم. وفي نفس الوقت، يقوم بوتين بالتمويه على ما يحدث. في جنيف، أحرز بوتين انتصارا دبلوماسيا بالإعلان أن الانفصاليين الروس في شرق أوكرانيا يجب أن يتخلوا عن احتلالهم غير الشرعي للمباني الرسمية. هذه الخطوة قالت أمريكا وأوربا عنها بحذر إنها خطوة إلى الأمام نحو وقف تصعيد الأزمة. في الحقيقة، كانت تلك مقامرة لا يمكن أن يخسرها بوتين. إذا لم يستمع الانفصاليون لنداء بوتين (وهم بالفعل لم يستمعوا إليه)، فإنه يستطيع أن يقول: «هل رأيتم، هؤلاء الناس لا يخضعون لأوامري. ليس لدي سيطرة عليهم. لذلك ليس هناك مبرر للعقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا». ومن جهة ثانية، إذا نفذوا أوامره، يستطيع أن يقول: «هل ترون، أنا متعاون وتوافقي. لذلك، ليس هناك مبرر لعقوبات إضافية ضد روسيا». هو رابح في كلا الحالتين. يمكن أن يكون هناك تفسير تاريخي لهذه الحركة الامبريالية الروسية. النهاية المخزية للفترة السوفيتية كانت بالتأكيد مهينة غير مرضية لجيل بوتين من الرفاق. لم تكن هناك هزيمة ساحقة، ولم تكن هناك معركة نهائية مجيدة: مجرد نهاية منهكة. لحسن الحظ أنها تمت دون إراقة دماء، لكنها ربما تركت الكثير من الأمور دون حل. الانفصاليون الروس في دونيتسك أعلنوا في الواقع عن قيام «جمهورية الشعب»، وكأنهم نسوا موقتا أن الاتحاد السوفيتي لم يعد موجودا. لكن هناك تفكيرا أكثر إحباطا. ربما يكون الدافع وراء الهيمنة والاحتلال موجودة بعمق في الشخصية الإنسانية. يمكن أن تكون متنكرة موقتا كرؤية إيديولوجية أو نقاء ديني، لكنها قد تكون مجرد ترياق للإحساس بانعدام الأمن الوجودي البدائي –الرغبة برباط قبلي يحقق التعبير الأكثر فعالية من خلال قتال القبائل الأخرى تحت ذريعة مقنعة ظاهريا. قد يكون ذلك هو السبب الذي يجعل الدول المزدهرة والآمنة التي تتمتع شعوبها بالحرية تتردد في الذهاب إلى الحرب إلا إذا اقتنعت بأن أمنها وازدهارها وحريتها معرضة للخطر. وهو أيضا السبب الذي يجعل الدول غير المستقرة التي تعاني من انهيار اقتصادي ولا تتمتع شعوبها بالحرية الكافية (مثل روسيا) دولا خطيرة. وفقا لهذه القراءة، فإن الوهم الأكثر خطورة هو الاعتقاد أن الخطر التاريخي انتهى بشكل نهائي: حلم «الحرب التي تنهي كل الحروب»، «حصص السلام»، أو «نهاية التاريخ». ربما لا تكون هذه لعبة للمثاليين، مع حديثهم الذي لا ينتهي عن القيم والحلول الاجتماعية المتنافسة. ربما يكون هناك بعض الاندفاع البدائي الذي لا يمكن إطفاؤه لمهاجمة الآخرين بين الحين والآخر، وبعد ذلك يدفع التعب والإرهاق الأطراف إلى التوقف حتى المرة القادمة حيث يمكن متابعة المعركة مع مجموعة جديدة من المبررات.