الرأي

استخدام منصات التواصل الاجتماعي في كشف الفساد

محمد العوفي
في الأيام القليلة الماضية تناقلت الصحف المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي ما دار بين وزير النقل المهندس عبدالله الحمدان والرئيس التنفيذي لخدمات الملاحة الجوية حازم أبوداود حول دفع تكاليف مشاركة وفد السعودية المشارك في أعمال الجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني الدولي «الايكاو»، البالغة 450 ألف ريال، تمثل تكاليف المشاركة والدروع والهدايا التي ستقدم، وهو ما رفضه مدير الملاحة الجوية، بحجة أنه غير نظامي ومخالف للتعليمات والأنظمة، وفند ذلك في خطاب رسمي. وعندما حاول وزير النقل فرض ذلك بقوة المنصب قدم الرئيس التنفيذي لخدمات الملاحة الجوية استقالته احتجاجا على موقف وزير النقل، ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني. هذه الواقعة تكشف حالة إدارية لدينا أنه في حالات الاختلاف في الإجراءات الإدارية والمالية لا يتم الاحتكام للأنظمة والتشريعات المنظمة لذلك، بل تكون سلطة الوزير أو رئيس الجهة الحكومية أقوى من هذه الأنظمة والتشريعات، وهو الذي يفترض أن يكون السلطة التي تعمل على حماية هذه الأنظمة والتشريعات، لا أن يعطلها ويحاول فرض ما يخالفها بقوة المنصب والنفوذ. على أي حال، هذه الممارسات محل الاختلاف تتضمن هدرا ماليا كبيرا، وتجاوزا صريحا للتعليمات والأنظمة التي تحكم هذه الممارسات الإدارية. وعلى افتراض صحة ذلك لوجود وثائق رسمية تدعمها، ولعدم وجود أي نفي من أي طرف من الأطراف تكون المرجعية فيها للسياسات والإجراءات التي اعتمدها مجلس المديرين، ولا يجوز تجاوزها أيا كان منصب الشخص الذي يطالب فيها، لأن قوة الأنظمة في جميع الشرائع يجب أن تكون أقوى من نفوذ وسلطة الأشخاص. وبغض النظر عن قانونية نشرها على الملأ في منصات التواصل الاجتماعي من عدمها، فإن نشرها أعطى دلالة واضحة على أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة رقابية فعالة، وأثبتت نجاحها في تجارب سابقة، كما أنها تضمن سرعة وصول المعلومة إلى الجهات العليا ومتخذي القرار. والسؤال هنا: لماذا يلجأ السعوديون، سواء كانوا مواطنين أو مسؤولين، إلى وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» وغيرها لنشر القضايا التي تنطوي على تجاوزات مالية وإدارية في ظل وجود أجهزة رقابية رسمية؟ وهل من المنطقي أن تحل وسائل التواصل الاجتماعي بديلا للأجهزة الرقابية الرسمية؟ وإلى أي مدى تتابع الأجهزة الرقابية ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي حول شبه الفساد بعد أن أصبحت منصة رئيسة لكشف ذلك؟ وقبل الإجابة على هذه الأسئلة يجب الاعتراف أولا بأن هذا التجاوزات تحدث في معظم الجهات الحكومية أو شبه الحكومية، وأن هناك أجهزة رقابية رسمية تعمل وتسعى للحد من هذه التجاوزات، لكن فاعليتها لا تزال دون المستوى المأمول، وأنها تتابع بعض ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي حول شبه الفساد، وقد تأخذه على محمل الجد فتتابعه، أو تكتشف زيفه وتتجاهله، وأن لجوء السعوديين إلى منصات التواصل الاجتماعي في كشف شبه الفساد (التجاوزات المالية والإدارية) يمكن إرجاعه إلى عوامل عدة سأوردها تبعا في نقاط متعددة: أولا: يلجأ السعوديون لوسائل التواصل الاجتماعي لإيصال شكاواهم أو ملاحظاتهم حول التجاوزات المالية والإدارية في الجهات الحكومية وشبه الحكومية لتجاوز عقبات البيروقراطية الإدارية، وإجراءات الشكاوى التي لا تزال تعاني من التقليدية والمخاطبات والمكاتبات التي أثبتت عدم جدواها. ثانيا: معظم رقابة الجهات الحكومية الرقابية هي رقابة لاحقة، والرقابة اللاحقة تلاحق وتكتشف الفساد بعد أن يقع، وقد لا تكشفه في حال توافرت الآلية المناسبة لتغطيته تحت ذرائع وبنود متعددة، كما أن الهيئات الرقابية تركز فقط على توفر المستندات الداعمة (اكتمال الدورة المستندية فقط)، ولا تدقق في ضخامة المبلغ إلا فيما ندر، وهناك من سيقول إن المسؤول عندما يعلم أن هناك رقابة لاحقة سيتصرف بحذر، وسيحاول تغطية كافة التجاوزات المالية والإدارية، وبالتالي فإن وسائل منصات التواصل الاجتماعي منصات فورية قد لا تمنح المسؤول فرصة تغطية ذلك بنشرها كل الوثائق الداعمة لوجود مثل هذه التجاوزات في الوقت ذاته. ثالثا: لا يزال دور مجلس الشورى الرقابي ضعيفا، ولم يتم تطويره ليقوم بنفس الدور الذي تقوم به البرلمانات والمؤسسات التشريعية في الدول المتقدمة، والمطلوب من المجلس أن يكون له دور رقابي إداري ومالي، يضاف إلى ما يقوم المجلس به حاليا من قرارات وتوصيات وأدوار وسن أنظمة، وأن يسعى للحصول على هذا الدور، ولذلك حاول رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية والسياحة والآثار بمجلس الشورى الدكتور أحمد الزيلعي تبرئة ساحة المجلس عندما قال - حسب ما نشرت الزميلة عكاظ - إن هناك سوء فهم لدور المجلس، مؤكدا أن الجميع في حالات القصور لدى الجهات الحكومية والوزارات يضعون اللوم على المجلس ولا يعلمون دور المجلس أصلا. لذلك أعتقد أن الوقت حان لمراجعة دور مجلس الشورى الرقابي ومنحه صلاحيات أكبر لتفعيل دوره الرقابي والمحاسبي، ليناظر دور البرلمانات والمؤسسات التشريعية في الدول المتقدمة، وأن تمنح الأجهزة الرقابية قوة وصلاحية أكبر للتدخل دون الحاجة للمخاطبات والمكاتبات التي لم تعد تجدي نفعا.