جميل فارسي فيلسوف الجواهر يبكي أطلال الحارة المكيّة

لكل صنعة طهاتها إلا مهنة الجواهرجية، فقد اتخذت لها فلاسفة، ويبدو أن فيلسوف الجواهر جميل فارسي لم يختر مهنته؛ بل هي من اختارته؛ ونصّبته فيلسوفا لها، بعد أن وضع لبناتها الأولى محمد حسن فارسي؛ في زقاق المسعى القديم بمكة المكرمة، في العام 1907

u062cu0645u064au0644 u0641u0627u0631u0633u064a

لكل صنعة طهاتها إلا مهنة الجواهرجية، فقد اتخذت لها فلاسفة، ويبدو أن فيلسوف الجواهر جميل فارسي لم يختر مهنته؛ بل هي من اختارته؛ ونصّبته فيلسوفا لها، بعد أن وضع لبناتها الأولى محمد حسن فارسي؛ في زقاق المسعى القديم بمكة المكرمة، في العام 1907. تأسيس مجوهرات الفارسي؛ التي بدأت زمن الخلافة العثمانية؛ بعد زيارة مدينة الأحجار الكريمة بالهند، تلتها زيارة محمد فارسي لبورما، ليعجب بالياقوت الأحمر ويكون أول مستورد له، ويأخذ على عاتقه، تزيين النساء المكيّات به في حينه، قبل أن يخطفه بريق الماس لعالمه، ويبدأ بصياغة اسم الفارسي في عالم المجوهرات. محمد حسن فارسي؛ الذي عمل على غرس ثقافة المجوهرات، بعيدا عن لمعان الذهب، ليحل الماس محله، عند سيدات المجتمع المكي. توهج قطع الماس المطعمة بالجواهر النفيسة، من الياقوت والزفير والزمرد، وغيرها من الأحجار الكريمة النادرة، لم يقف عند بوابة مدينة الأحجار، بل طار إلى خارج الأسوار، واتجه إلى بلجيكا، لتكون شركته الأولى التي تتعامل مع الماس البلجيكي في 1951. مشيخة الفارسيين على مهنة الجواهرجية، لم تتوقف عند محمد حسن فارسي، بل أصبحت متوارثة حتى وصلت للجوهرجي، جميل فارسي، الذي يحرص على وجوده في «الدكان»، بمبنى الفارسي بالبغدادية الذي يفوق عمره الخمسين عاما، دون أن يُحدث أي تغييرات على الدكان القديم، ليظل عبق الزمن راسخا، يتسلل إليك عبر ديكوراته الخشبية، وأرائكه المتراصة على طول الممر، المتجه نحو مكتب شيخ الجواهرجية، فيما عن يمينه آلة فحص قطع الماس، المحفوظة في أكياس قماشية صغيرة، ما أن تفتحها حتى ينسكب وهج ماسي، يشرق بنوره دكان فيلسوف الجواهر، معدّا أن «ما يميز دكان الفارسي هو أن الزبون عندما يأتي يجدني فيه، في حال وفاتي أوصيت أن يظل المكان بشكله الحالي، لأن الديكور عملي ومريح». الفارسي الذي حدثنا عن رحلة اختارته، بدأت من كلية التجارة بالقاهرة، تلتها أمريكا التي حمل منها الماجستير، وهو على يقين بأنه «سأرجع وأعمل في مهنة الجواهرجية، وابني يعلم أنه سيتابع في حرفتنا». الجوهرجي ابن الحارة المكيّة القديمة، التي يبكي أطلالها وتحتفظ ذاكرته بحكاياتها، لم يكن أبطالها من ورق، بل كانوا جيلا من أساتذة، تتلمذ على أيديهم «درست في مدرسة العزيزية على يد فؤاد سندي، أستاذ اللغة العربية، وفايز أبو ظلام أستاذ العلوم، وعبدالله يماني أستاذ الدين، وحينها كان مدير المدرسة سلمان الشبل». لم يقف سيل ذكريات فيلسوف الجواهر، عند رجال الحارة المكيّة، بل كان للسيدة المكيّة حضورها الطاغي، في حياته؛ خاصة في ذلك الزمن، الذي كان فيه المجتمع المكي أكثر انفتاحا وترابطا، مما هو عليه الآن؛ الأمر الذي جعل للمرأة دورا لا يستهان به «معظم العوائل المكيّة الكبيرة، كانت تتعايش مع بعضها بعضا، ولم يكن هناك الفصل بين السيدات والرجال، بالتالي وجود المرأة في كل أمور حياتنا ويومياتنا كان عاديا». والدة الجوهرجي لم تكن الوحيدة، التي خطت وشما في حياته، بل كان لبصمة «الأخت الكبرى فريدة فارسي أثر كبير في حياتنا؛ بالإضافة لزوجتي». نظرة شيخ الجواهرجية للمرأة، في زمن كثرت فيه الأقاويل حول حقوقها «المرأة كائن بشري طبيعي، لها ما لنا من حقوقنا كبشر، وعليها ما علينا من واجبات، التي تتناسب مع طبيعتها الرقيقة».