أفواه وأرانب
الاثنين / 18 / ذو الحجة / 1437 هـ - 21:15 - الاثنين 19 سبتمبر 2016 21:15
هذه حقيقة العالم الثالث الذي ننتمي إليه، فالأكل والتكاثر هما المقدم لتراجع مكانة الإنسان والتنمية مع ارتفاع معدلات الإنجاب بعد دخول التلفاز غرف النوم. فمثلا لا حصرا، كيف لمصر كبح جماح إجهادها الاقتصادي والبدء في تحقيق تنمية ملموسة ومعدل نموها السكاني يتجاوز المليونين سنويا. فهذا الملف غير قابل للترحيل دون معالجة الآن إن كانت هي عازمة بصدق على مواجهة تحدياتها الوطنية.
أما اقتصاديا، فهي قادرة على بناء اقتصاد حقيقي لانتشال نفسها من حالة الالتباس بشرط اعتمادها على «مواردها الأصيلة Indigenes Resources» بنسبة لا تقل عن 60% في مكونات ما تنتج. فمنظومة قطاع الأمن الغذائي قادرة على تصدر ذلك الجهد عبر رفع كفاءة الإنتاج والتوزيع والتسويق.
كذلك يجب محاربة إغراق السوق بمنتجات تنافس المنتج المحلي مثل الغزل والنسيج، وبالإضافة لوقف دعم منتجات لا يدخل في تصنيعها مكونات مصرية تعادل المستورد في تصنيع المنتج. وبتنويع التعليم لتتناسب مخرجاته العلمية والنظرية والتطبيقية واحتياجات السوق لا أن تكون إضافة لمتلازمة أفواه وأرانب (تخصصات نظرية لا تنتج إلا بطالة مقننة/ وهذه حالة عربية عامة لا مصرية خاصة). فالتأهيل المهني للأسف متراجع عربيا من حيث الأولوية الاستراتيجية في حين أن كل دولنا تتحدث عن التصنيع.
الصورة النمطية للمصري التي كرسها الإعلام المسيس منذ خمسينات القرن الماضي المتمثلة بالشقة والزواج لا تمثل حقيقة الإنسان المصري، فهو طموح يتسم بالحيوية والابتكار قادر على تحقيق النجاح في حال انتفاء عنصر «الدولة المطلقة».
مصر اليوم لا تعاني من أزمة اقتصادية أو سياسية بل في فلسفة الدولة والثقافة الاجتماعية التي تم الاستثمار فيها (أفواه وأرانب). وبمراجعة إرادتها السياسية وطنيا، فإننا أمام برلمان تخلى عن أي رغبة حقيقية في لعب دور الشريك الحقيقي في العملية الانتقالية بتبنيه تشريعات تتناسب والدور المأمول منه بعد إنجاز مشروع الدستور الجديد.
مصر تمثل إرثا بشريا وإنجازا إنسانيا يجب أن يستثمرا بشكل مغاير ليكونا العنصر المفقود والمحفز الطبيعي في عملية الانتقال الذي حددته الإرادة الوطنية التصحيحية في 30 يونيو. فتكاملها الاقتصادي مع محيطها العربي والأفريقي هو الرؤية الواجب اعتمادها لتحقيق أولى خطواتها الاستراتيجية في تحقيق الانتقال من التعثر إلى التنمية. ليبيا والسودان تمثلان الامتداد الطبيعي لمصر عبر تاريخهم الإنساني قبل السياسي المشترك، وكلاهما في حاجة ماسة للاستقرار، ومصر تعي أهمية ذلك لأمنها القومي.
ولمسنا كلنا ذلك يوم الجمعة الماضي عندما تبنت مصر موقفا حسم اللبس من خطوة الجيش الوطني الليبي بتحرير الهلال النفطي وباحتضانها جميع أطراف النزاع الليبي. ذلك الحضور السياسي المصري أثبت أهمية ذلك إقليميا مما يوجب اعتماد ذلك كأولوية إقليمية بدل الانخراط في توازنات لن تخدم أمنها القومي. أما ثانيا، فإن تأخر الإصلاح المالي والإداري يهدد بتحويل مصر لثقب أسود يهدد بابتلاع محيطها الإقليمي. فمعضلة مصر في حقيقتها تنقسم إلى شقين، الأول رفع كفاءة إدارة الموارد وليس التمويل، واعتماد مبدأ عدم تضارب المصالح. أما الشق الأخطر والثابت في معادلة منغصات التنمية هو «تريف المدن».
متلازمة أفواه وأرانب (تضخم معدل النمو السكاني) يجب التعاطي معها بمعزل عن تعارضها والموقف الشرعي منها لمقتضيات ذلك وطنيا، والمؤسسات القضائية والتشريعية بالإضافة للمدنية قادرة على قيادة ذلك المشروع بشرط تحصلها على الإرادة السياسية الصريحة وغير الوجلة من مواجهة تحديات بمثل ذلك الحجم. مصر يجب أن تتحول قاطرة معرفية واقتصادية في محيطها الأفريقي لا العربي فقط، والتحولات الأفريقية المستقبلية توجب ذلك. ثروتها البشرية قادرة على الابتكار والإنتاج من حرفيين وزراع وعمال مهرة بالإضافة لهبة الماء والأرض.
aljunaid.a@makkahnp.com