الرأي

أخرسنا أبواق الجهل

السوق

صالح عبدالله كامل
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي بفضل من الله وحده وبتوفيقه سبحانه وتعالى، ثم بفضل روح المسؤولية ورجال الحكمة وعزم جنودها في كل المواقع وعلى الصعد كافة، نجح موسم حج هذا العام 1437هـ، 2016م نجاحا باهرا شهدت به الدنيا، إلا من أبى واستكبر وكان من الجاحدين. جاء الحجيج من كل أنحاء المعمورة إلى أرض الطهر والنور، ولم تحرم ذلك الفضل جنسية رغم أنف مانعيها وأعوانهم الذين أرادوا تسييس الحج وجعله موسما للصراع والفتنة بدلا مما أراده الله، أياما معلومات لا رفث فيها ولا جدال ولا فسوق، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. بدؤه كان باستفزاز المشككين في قدرة المملكة العربية السعودية على تحمل شرف المسؤولية التي أعز بها الله هذه البلاد، واعتز بها علانية خادم الحرمين الشريفين ورجاله المخلصون، بل وشعب المملكة كله. وكانت ردات الفعل رائعة لدى الجميع هنا، فنذروا لله أنفسهم ثم لضيوفه وحجاج بيته المحرم، وكان الرابح الأكبر هم حجاج بيت الله الذين تقلبوا بين كفوف الراحة وفي أحضان الاهتمام، الذي جعلهم يلهجون بالدعاء إلى الله أن يديم على هذه الأرض المباركة بركاته، وأن يحفظ لهذه الأرض هذا الأمن والأمان، وشهدت وسائل الإعلام والتواصل آلاف الصور والتعليقات الإيجابية من جموع المسلمين مؤكدة نجاح موسم الحج، دينيا وتنظيميا وصحيا بكل المقاييس، فالحمد لله رب العالمين. الحمد لله الذي أظهر أن كل مواسم الحج السابقة كانت ناجحة لو لا ما كان يسببه أولئك الحاقدون من مشكلات، ويفتعلونه من كوارث؛ بغرض الإساءة ليس للمملكة فقط وإنما لجماعة الإسلام بشكل عام، والتاريخ الأسود، الذي لا أريد أن أعدد وقائعه الفاضحة، على ذلك من الشاهدين. وكان التعليق العام والأبرز «غابوا فغابت المشاكل»، وكم يحسب للمملكة العربية السعودية أنها لم تحرم الحجاج الإيرانيين المعتدلين من مشاركة إخوانهم في الدين لأداء مناسك الحج، فسهلت قدومهم إلى الديار المقدسة لتخرس أبواق الجهل التي أرادت أن توسم الحج بالطائفية، فكانوا كما قال القرآن الكريم: (وشهد شاهد من أهلها). وكم هي رائعة تلك الرسالة التي غرد بها الملك سلمان على حسابه الرسمي في تويتر مطلع عيد الأضحى المبارك: «يتوج عيد الأضحى فخرنا بخدمة حجاج بيت الله، وخدمة الحرمين الشريفين، وهي النعم الأسمى لنا، دعواتي أن يجعل الله عيدكم سعيدا، وكل عام وأنتم بخير». وفي هذه الرسالة الكريمة تأكيد واضح على حكمة وعمق سياسة المملكة العربية السعودية حتى تجاه ما قد يعرف بالمشكلات العميقة، التي قد تغوص بغيرها من الدول في أوحال الشد والجذب والفرقة والتناحر. وفي تأكيد على هذه السياسة الإعلامية والأخلاقية التي ما تزال المملكة تنتهجها منذ تأسيسها على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز، جاء رد أمير الحج خالد الفيصل، الذي رفض هذه التسمية واستبدلها بصفة «خادم الحج»، قال مستشار خادم الحرمين الشريفين في مؤتمره الصحفي اليومي، والذي كان يأتي مواكبا لحركة الحجيج اليومية، ردا على سؤال لأحد الصحفيين عن أسباب هذا النجاح الباهر لموسم حج هذا العام؟ لم ينتهز الفيصل، وهو الشاعر الأديب القادر على الاستفادة من هذا السؤال، الفرصة لرد الصاع صاعين، بل قال في أدب الكبار وثقة المسؤول: هذا السؤال وجهه لخامنئي.. موجها الصحفيين إلى نقطة هامة وهى: «دعوهم يقولون.. ودعونا نعمل». وولي العهد الأمين رئيس لجنة الحج العليا، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.. يقول موجها حديثه خلال لقائه بجنود المسؤولية بمختلف الرتب «لم آت هنا لزيارتكم من أجل رفع روحكم المعنوية، أنا هنا لأنكم ترفعون روحي المعنوية». وبرأيي أن هذا أرقى أسلوب لرفع روح الجند المعنوية.. لا يمارسه إلا قائد مؤمن بجند مخلصين. وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، في الحد الجنوبي مع البواسل يقضي بينهم عيد الأضحى المبارك وسط دفقات غالية من الروح العالية، ليؤكد لهم أن الدفاع عن الوطن وحدوده مسؤولية الجميع، قادة وأفرادا، تماما كما هو أمن الجميع في المشاعر المقدسة مسؤولية هذه المملكة العزيزة والتي جاءها التأييد من كل أقطار وأمصار الدنيا شرفا اختص الله به هذه البلاد وأهلها دون منازع. وحين نذكر أهلها إنما أقصد كل مواطن سعودي قدم كل ما يقدر عليه، وبعضهم أكثر مما يقدر، ليقف على أرض المسؤولية تأكيدا وتأييدا لملك وقائد قال بصوت عال، وهو مسموع وإن همس «لن نسمح بتسييس الحج، ولن يكون ساحة لأهداف سياسية أومكاسب مذهبية». وهو رجل يفعل ما يقول.. ويعرف شعبه أنه يقول ما يفعل.. فكانت لحمة المنظومة السعودية صورة رائعة وصلت لعيون العالم، صور المتطوعين، وصور المواطنين، صور رجال الأمن وهم يؤكدون أن الأمن ليس عنفا ولا قوة، بقدر ما هو رحمة وحنان يمارسهما الأقوياء لتسكن في قلوب الناس طمأنينة المكان، وقدسية الزمان. وكم شدني الحنين إلى المشاعر وأنا للأسف بعيد عنها آلاف الأميال وجذبني الشوق وخاصة أن كشافة المملكة العربية السعودية في مقدمة العاملين إرشادا ومساعدة واستعدادا، فكم أحببت أني واحد منهم، فقد كنت يوما أقف موقفهم وأسعى سعيهم لخدمة حجاج بيت الله الحرام. لقد تجلت صورة الإسلام المشرقة الناطقة دون تشويش أو تداخل في موسم حج هذا العام، ذلك أن الإسلام دين العمل والاقتداء وليس دين الشعارات والادعاء، ولا يكفي أن تولد مسلما فقط، فالدين المعاملة، والدين التطبيق الحق بكل إيمان وصدق. ويروى أن أحد أبنائنا المسلمين الدارسين في الغرب أعجب بفتاة زميلة له غير مسلمة وتعلق بها قلبه، فكتب لأبيه في الوطن يعلمه برغبته في الزواج منها، فرفض والده، فكتب إليه ثانية: ماذا لو أسلمت؟ فرد أبوه: إن أسلمت فأهلا وسهلا وعلى بركة الله؛ فعرض عليها الزواج على أن تسلم؛ فقالت: عرفني عن الإسلام وأعطني كتبا ومراجع علني أقتنع، فأعطاها ما طلبت بما في ذلك مهلة أشهر أربعة، وبعد انقضاء المهلة جاءته تعلن إسلامها، ففرح كثيرا.. وقال: سأكتب لوالدي ليحضر مراسم زواجنا، وكانت المفاجأة حين قالت له: ولكني لن أتزوجك؛ فقال: لماذا ؟! قالت: أنت ولدت مسلما، ولست مسلما حقا كما قرأت أنا في الكتب التي أعطيتني.