الرأي

حصة سعادة

دبس الرمان

هبة قاضي
في عمر الثانية عشرة، راح بكل حماسة يساعد في حمل أمتعة الحجاج إلى داخل الفندق، دفعته كلمات الشكر والامتنان من الحجاج، بالإضافة إلى نظرات التشجيع والفخر من والده وأقربائه إلى العمل بمزيد من الحماس والتفاني. حين انتهى اقترب من طاولة الاستقبال وراح يساعد موظف الاستقبال وهو يؤدي عمله بدءا من ابتسامته المرحبة، وطريقته في حل الإشكالات ومعالجة الأخطاء، وانتهاء بخطوات إدخال البيانات، والمساعدة في إحصاء الأعداد ومراجعة القوائم. كان موسما برغم التعب والجهد لن ينساه. عدنا فأرسلنا أولادنا للمدرسة، نودعهم صباحا ونحن نسري عن كبيرهم الذي اكفهر وجهه امتعاضا في استقبال عام جديد من الضغوطات والالتزامات، ونحاول تهدئة صغيرهم الذي بكى حتى جفت دموعه نعيا على إجازة مضت، كان محورها اللعب والاستمتاع، إلى أيام حافلة بالواجبات والامتحانات. نعلم أنهم ليسوا سعداء، ولكن لا مشكلة، فنحن أصلا مبرمجون بأنه لا علاقة بالسعادة بأداء واجبات الحياة ومسؤولياتها، بل العكس. ورغم أن السنوات تمضي والتجارب العملية تثبت أن تجربة المدرسة بحاجة لانقلاب حقيقي في كيفية تنظيمها وتطبيقها، إلا أننا للأسف مستمرون وقد أعيتنا الحيلة من صنع أي تغيير، وربما نشاهد فيلما وثائقيا عن تجربة بلد مثل فنلندا التي قفزت بطلابها لمصاف الأوائل في التحصيل العلمي عالميا، ونستمع لتجربتهم التي تحكي عن أسبوع دراسي لا يتجاوز العشرين ساعة، وعن يوم دراسي حافل بالتجربة العملية والتعلم عن طريق اللعب، وبقية يوم خال من الواجبات المنزلية، لنضرب كفا بكف استهزاء، أو كفا بكف حسرة. ربما لا نملك أن نغير نظام التعليم، ولكننا نملك أن نغير أنفسنا، نعم نغيرها بأن نرسلهم بابتسامات مطمئنة لقلقهم، وبكلمات معززة لذواتهم، نرسلهم ونحن ندرك بأنهم ليسوا امتدادا لأحلامنا، وأن لهم الحق في تكوين أحلامهم الخاصة، نرسلهم ونحن نستوعب أن نظام التعليم الموحد يتجاهل أن لكل منهم نقاط قوة يجدر تعزيزها، ثم يحاسبهم على نقاط ضعف لا حيلة لهم فيها. نرسلهم ونحن مصممون على ألا نحكم عليهم ونقدر قيمتهم فقط من خلال علاماتهم، بل ونعمل على مساعدتهم على اكتشاف مواهبهم وكل ما يساعدهم على اكتشاف ذواتهم. نرسلهم ونحن مصممون على ألا نفوت عليهم أي تجربة حقيقية لإكسابهم مهارات الحياة الحقيقية وعلومها بطريقة عملية. نرسلهم ونحن ندرك أن العالم متغير بطريقة مجنونة، وأن كفاءات اليوم ليست بالضرورة هي مؤهلات المستقبل. والأهم لنرسلهم ونحن في داخلنا مقتنعون بأن أولادنا رائعون، وأن كل ما علينا هو ترويض توقعاتنا والسماح لبرمجتهم الفطرية أن تكون. heba.q@makkahnp.com