ماذا يعني أن أكتب؟
السبت / 16 / ذو الحجة / 1437 هـ - 19:30 - السبت 17 سبتمبر 2016 19:30
أعطني المساحة البيضاء المموجة بتلك السطور ومعها أعطني سلاحي «قلمي» واتركني أرسم لك عالما جميلا تعيشه وكأنك في منتصفه والكل حولك يؤدون أدوارهم بكل روعة. أن أكتب، يعني أن أصنع المستحيل وأدير المستطيل وأرسم لك دائرة مربعة، هذا كله يعني أن أجعل المستحيل طوعا ليصبح سهلا وهذا كله في المربع البسيط الذي نسميه ورقة!
أن أكتب، هذا يعني أن السماء تمطر في منتصف الصيف، وأن الشتاء لم يعد بردا بل صار كله دفئا وحنانا. وهذا يعني أن الخريف سيصبح جميلا بكل الألوان ولكنه سيحافظ على ورق الشجر الذي يتساقط كل عام. يعني أن أعيش وتعيش حالة حب مستحيلة، أو غير ممكنة في هذه الحياة، كون الحيوات الأخرى ستكون أجمل بدوننا.
أن أكتب، يعني أن أصنع لك الجمال الذي تريد والمنظر الذي تريد والوقت المناسب وحتى الناس الذين يمرون بجوارنا سيكونون كما تتمنى، أن أجعل المنظر دائما لحظة غروب، أو قبل أن تشرق الشمس بقليل، فلا ليل ولا نهار يفرقنا. يعني أنني حظيت بكل ما تمنيت ورأيت المستحيلات وقد أصبحت على رفوف الذكرى، وقد كتب على جميعها: كنت يوما هناك.
يعني أن أعزف اللحن الذي ما إن تسمعه حتى تقول: أنا أعرف هذا اللحن وأعرف كل ما يدور حوله، وما إن تسمع تلك الكلمات إلا ويخطر ببالك أني كنت قد استمعت لقصتك قبل أن أكتب نصي، فيطربك.
أن أكتب يعني أن الجميع عندي أوفياء، فأجملكم في عين من يقرأني وأنت تعلم أنك سيئ للحد الذي يسمح لي أن أشنقك بكل حروف اللغة وأن أجلدك بكل المصطلحات المستخدمة في الهجاء، ولكن الكتابة بالنسبة لي «عالم جميل». أفضل أن أصنع منك خلا وفيا بحروفي بدلا من ذكر مساوئك حتى وإن لم تكن كذلك، «فيكفيني أنك تقرأ الآن وأنت تعلم أني أقصدك». تعلم أنك المقصود وما يكفيني أكثر أنك تعرف كل هذا «عنك».
الكتابة تعني أن أحافظ على الاتزان وأروي الحكاية بكل ما ترغب نفسك به أو مجتمعك. الورقة أحيانا «وطن» لا حدود له، ليس بالضروري أن أرسل كلماتي لوزارة الإعلام ليتم قبولها أو رفضها، ولكن يكفيني أن كلماتي تعيش في موطنها الأصلي «الورقة» بدون أي قيود.
وتعني أن لدي جمهوري ولو تكون من شخص واحد، فحينها لي الحرية والمقدرة أن أصفك بصفة الجمع لأن لي حرية التعبير، أحيانا نصف البعض أنهم يساوون العشرة، وأحيانا تمنعنا بعض البروتوكولات الاجتماعية من وصف العشرة بأنهم لا شيء، لكني عندما أكتب أصف بكل ما أوتيت من حروف كل ما يجول بخيال الذاكرة.
لن أذكر اسما بالتحديد فالكل يعرف مركزه، سواء كان في المقدمة أو الخاتمة أو حتى في الهوامش على جوانب الصفحات، حفاظا على الحقوق الفنية والأدبية ومنعا لحدوث أي أذى لقلمي، فأفضل أن أستخدم علامة استفهام على أن أكتب مثلا م.م. أن أكتب، يعني أن في جعبتي شيئا ما، تراه من زاوية ويراه غيرك من أخرى، وتبقى الزاوية الوحيدة الصحيحة محفوظه في أروقة قلبي.