9 مساء.. وتشوهات اليوم السعودي

تراكمت منذ الثمانينات عوامل مختلفة جعلت اليوم السعودي مشوها وممطوطا بلا ضوابط يمتد إلى ما يقارب 18 ساعة، يختلط فيه العملي بالاجتماعي

تراكمت منذ الثمانينات عوامل مختلفة جعلت اليوم السعودي مشوها وممطوطا بلا ضوابط يمتد إلى ما يقارب 18 ساعة، يختلط فيه العملي بالاجتماعي. أصبح في اليوم يوم آخر زائد ملتصق به بصورة لا علاقة لها بعادات الماضي والأجداد، ولا عصر الصناعة والحداثة والاقتصاد المنتج. يومنا مشوه لا يعرف ذروة نشاطه العملي والاجتماعي ولا خموله.. نشأت عليه أجيال لأكثر من ثلاثة عقود، كأحد أمراض النفط وإداراتنا المحافظة التي اشتبكت في حياتنا دون أن نشعر بما هو طبيعي وما هو غير ذلك. لا تدل هذه الساعات الممتدة من بدايات النهار إلى بعد منتصف الليل على مجتمع منتج، يعمل بالليل والنهار ويسابق العصر. ومع هذا اليوم المشوه الذي تتداخل بداياته ونهاياته بصورة فوضوية.. تبدو النصائح بأخطار السهر وحث الأسر والشباب على تجنب ذلك كلاما عبثيا ومنفصلا عن الواقع. أصبح هذا التشوه الزمني الذي نشأت عليه أجيال بحاجة لحشد المبررات لإقناع نخب وشخصيات جادة لا ترى الخطأ وضرورة مواجهته. وأخذ بعضهم يتوهم أن السبب لهذا الانزياح الليلي واختراع يوم آخر في مجتمعاتنا ويفضله الناس لقضاء الحاجات والترفيه الاجتماعي، هي قضية عدم وجود جو أوروبي! وليس انزياحا تدريجيا لا علاقة له بالطقس فرضته أخطاء متراكمه نحب تأجيلها ولا نواجهها مباشرة. من الخطأ أن نواجه المشكلة بمبررات هامشية تؤثر على رؤيتنا لعمق الأزمة الحضارية بالإشارة لموضوع ترشيد الكهرباء أو مجرد توظيف شريحة معينة.. أو الحديث عن جوانب تشتت الوعي بحقيقة التحدي الذي نواجهه. القضية ليست مشكلة فئة أو جهة أو وزارة أو مسؤول نحمله القضية، هي مشكلة مجتمع كامل ومسؤولية كل مواطن ليتفهمها.. ولن يكون ذلك إذا جئت تفهمها بعقلية الصراع بين تيارات، أو توهم أنك مع جهة حامية لمكتسبات تاريخية قيمية أو نفعية وآخر ضدها. لا يشعر الموظف الحكومي أو موظف القطاع الخاص بدوام واحد نهاري، أو الطالب.. بحجم المشكلة وحقيقتها، وبالعكس هو يرى أن الوضع مريح له فبعد أن يأخذ «بريكه» اليومي بين الأكل والنوم الطويل الذي قد يمتد ليصل أحيانا إلى خمس ساعات فيصحو قريبا من المغرب أو بعده، وبعد أن يستيقظ يريد أن يجد يوما ليليا آخر أمامه، والكل جاهز لاستقبال سعادته، وقضاء حاجاته بين المولات والأسواق والمطاعم، وترفيهه بـ«ويك إند» يومي، قبل أن يعود إلى النوم المتأخر جدا قريبا من الفجر. ثم بعد وقت قصير عليه أن يصحو نهارا لأهم ساعات العمل وطلب العلم وهو لم يأخذ كفاية من النوم، مجهد ومكتئب ويعمل بدون نفس بلا حيوية وإبداع. هذه الدورة الخاطئة لم تأت فجأة وإنما بتدرج زمني جعلته أمرا عاديا، وأخرج فئة أخرى من المواطنين والشاب المبتدئ من سوق العمل والنشاط الاقتصادي الواسع لصالح أصحاب رؤس الأموال الكبيرة القادر على جذب آلاف العمالة لشغل أي زمن يريده أصحاب اليوم الليلي. فلن يستطيع الشاب إدارة حتى مجرد بقالة يملكها لمثل هذا اليوم الممتد من الصباح إلى منتصف الليل، وماذا يبقى لحياته الاجتماعية؟ لهذا يبدو قرار إغلاق المحلات الساعة التاسعة المرتقب قرارا ثوريا في التنمية وإصلاح المجتمع، وستتحقق فيه المصالح الشرعية والدنيوية للقضاء على هذا اليوم الليلي، وتسبب في قتل ساعات العمل الصباحي الأهم في كل المجتمعات. ولو تم تنفيذ هذا القرار بحزم لانقلبت تدريجيا كثير من العادات الاجتماعية السيئة.. وتحسنت بيئة العمل والدراسة والحركة الاقتصادية المركزة في وقت ذروة محدد دون تشتت. أشارت بعض التقارير الصحفية ومنها في يوم الأربعاء الماضي في جريدة الحياة إلى مشكلة الوقت بين صلاة المغرب والعشاء وأن رجال الأعمال قد يضطرون للإغلاق قبل هذا الوقت، وكانت لجنة من وزارات العمل، والتجارة، والشؤون البلدية، والشؤون الإسلامية، والكهرباء، وهيئة الأمر بالمعروف أوصت بتعديل أوقات العمل في محلات التجزئة وقطاعات البيع في المملكة، من دون إشارة لطريقة معالجة هذا التوقف، ولا شك أن من أهم عوامل ترحيل الأعمال ليلا في حياتنا هو هذا السبب، وقد شرحت تاريخ هذه المشكلة وتحولاتها وقدمت اقتراحا لوزارة الشؤون الإسلامية في مقال قديم 6 نوفمبر 2006 بعنوان «نتوقف لأداء الصلاة» في جريدة الشرق الأوسط، وبالرغم من تفهم مسؤول كبير في الوزارة للفكرة عبر اتصاله مشكورا، لم يحدث أي تعديل لأوقات الإقامة بعد الأذان حتى الآن.