في معنى الشعر
والشعر في أصل معناه اللغويّ شَعرٌ مستوطن في الجسد، أو نابت منه، لكنّه يحاول جاهدًا التمدّد خارج أسوار الجسد، هو شَعرٌ ذاهب ليحسّ بالوجود الفائض عن حدود الذات، كيما تحسّ هذه الذات بالوجود، فتشتعل توتّرًا به، أو تأنس به راضية فتغفو على زنده وتنام
الثلاثاء / 8 / جمادى الآخرة / 1435 هـ - 01:00 - الثلاثاء 8 أبريل 2014 01:00
والشعر في أصل معناه اللغويّ شَعرٌ مستوطن في الجسد، أو نابت منه، لكنّه يحاول جاهدًا التمدّد خارج أسوار الجسد، هو شَعرٌ ذاهب ليحسّ بالوجود الفائض عن حدود الذات، كيما تحسّ هذه الذات بالوجود، فتشتعل توتّرًا به، أو تأنس به راضية فتغفو على زنده وتنام. فلمّا تكوثر الشعر في الاصطلاح -حسب القاموس المحيط للفيروز أبادي- إلى شعور أو إحساس، ومشاعر، وعلم، ومُشاعرة، وشعائر، صار جامعًا كلّيًّا لأفعال الإدراك والعاطفة والحسّ الماديّ، ونشوة الفعل الجالب للوجود، ولذّة الطقس التعبّديّ على حدّ سواء. لذلك اختار الشاعر الفنّان من اللغة طاقة خلقها وإبداعها، أو قُل انفعل بها لتبدع هي تجربته، أو ليبدعها هو من جديد. من هنا صار الشاعر ملتبسًا في علاقته باللغة؛ أهو من يمتطيها ويخرق مواضعاتها ويفترع عذريّتها، أم هي التي تخونه مع كلّ عشّاقها من السادة الهائمين الشعراء، والأتباع الغاوين من بقيّة البشر. أغلب الظنّ أنّ الشعور الذي يعتري الشاعر في حالة الإبداع هو شعور مختلط، بين فعلٍ يقوم هو به، وانفعالٍ يقع هو ضحيّة له، فعل يشعره بأنّه ابن هذا الوجود المدلّل والمكرّم الذي يعلّم أشياء الكون أسماءها، وانفعال يشعره بأنّ طين اللغة أو نظامها الصارم هو حدّه القاسي، وسياجه الجالب لمتعة التمكين. ولعلّ طاقة اللغة هي التي تهبه كلّ هذا الفيض من الاختلاط، فيواقعها وتواقعه، ولا يبقى في ساحة النزال غير الانكشاف على الذات في أخصّ خصائصها، فلا يعود الشاعر يخجل من هذا الانكشاف الصريح، أو العُري المجازيّ، ولا تعود اللغة هي كذلك تخجل منه، وهنا تتولّد القصيدة، من حمأة الطين الجسد، ومن فضاء الروح بنوع من المدد، معبّرة عن الدهشة، دهشة الإبداع والخلق، ودهشة الاندماج بالحقّ، فتصير القصيدة بسبب ذلك كلّه فعلاً وجوديًّا بامتياز.