كفى بالموت واعظاً

رضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قال هذه العبارة الشهيرة: (كفى بالموت واعظًا)، فليس هناك أعظم وقعا وتأثيرا من الموت لا سيما إذا كان هذا الموت مفاجئاً دون مقدمات، إما بسبب حادث أو سكتة قلبية ونحو ذلك،

رضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قال هذه العبارة الشهيرة: (كفى بالموت واعظًا)، فليس هناك أعظم وقعا وتأثيرا من الموت لا سيما إذا كان هذا الموت مفاجئاً دون مقدمات، إما بسبب حادث أو سكتة قلبية ونحو ذلك، وقد كثرت هذه الوفيات في وقتنا الحاضر فلا تخلو أسرة من مصاب قد أصابها كما امتلأت المقابر بنسبة كبيرة من هؤلاء رحمهم الله وتغمدهم بواسع رحمته، وكثر ترددنا على المقابر بتشييعهم في مثواهم الأخير قبل النشور، بينما كنا في السابق، وأقصد قبل أكثر من ثلاثين عاما، نادرا ما نذهب إلى المقابر بسبب قلة الوفيات، وإنك لتشاهد الآن أكثر من عشر جنائز تؤدى عليها الصلاة دفعة واحدة في أكثر من فرض، والشاهد مما تقدم: هل اتعظنا واعتبرنا بمشاهدتنا ومشاركتنا في مراسم التشييع والدفن أم على قلوب أقفالها؟ هذا هو السؤال المحير. فالكل يدرك أنه راحل عن هذه الحياة الدنيا الفانية، هذه الدار التي وجدنا فيها من باع آخرته بدنياه لمكاسب وقتية ومصالح دنيوية، فقد أعمى الله بصيرته وختم على قلبه وسمعه، فأنّى لهذا وأمثاله أن يعتبروا أثناء مشاهدتهم لهذه المواقف. ولقد أمرنا المصطفى عليه الصلاة وأتم التسليم بأن نزور المقابر بعد أن كان نهانا عن زيارتها قبل ذلك، والغرض من ذلك أن يعتبر المرء ويزهد بهذه الدنيا الفانية ويستعد لمثل هذا اليوم. إنني أدعو من خلال هذا المقال الجميع وأبدأ بنفسي إلى أخذ العظة والعبرة من كثرة الوفيات دون سابق مقدمات وأن يراجع الجميع أنفسهم ويستعدوا ليوم الرحيل وفراق الأهل والأصدقاء والأحباب والأصحاب والدور والمناصب وينفقوا مما رزقهم الله في سبيله، مذكراً بقول الله تعالى «وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها». وأن يحرصوا على إبراء ذممهم والبعد عن قطيعة الرحم والعمل على توثيق صلتها. ونعلم جميعا أن كثيرا من الخصومات والمنازعات والصراعات والخلافات كانت لأسباب دنيويه مادية بحتة فليتق الله الجميع في هذه الصلة التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله، فلا شيء يستحق في هذه الحياة سوى طاعة الله وعبادته وأداء الواجبات الدينية، وتأتي هذه الصلة وأقصد بها صلة الرحم في مقدمة هذه الواجبات. ومن مزايا ديننا الحنيف أن المسلم يؤجر عند قيامه بهذه الشعيرة، وأذكر نفسي والقراء الأعزاء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر له أحد الصحابة رضوان الله عليهم بأن له أقارب يزورهم ويقطعونه... فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل (التراب). وأختم هذا المقال بدعوة الجميع إلى مراجعة أنفسهم والاعتبار وأخذ العظة.