محبة النبي من محبة الله
الاحد / 27 / ربيع الأول / 1436 هـ - 20:45 - الاحد 18 يناير 2015 20:45
أكرمني الله بأداء صلاة الجمعة الماضية في المسجد الحرام في مكة المكرمة.. ومن فرط تأثري بها وإعجابي.. وجدتُ نفسى مدفوعاً إلى الكتابة إلى خطيبها الشيخ سعود الشريم، وأنا في طريقي إلى جدة.. وهكذا بدأت رسالتي إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين، وبالمؤمنين رؤوف رحيم.. أما بعد، أخي في الله، العارف بالله، وبقدر رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شرفني الله بأداء صلاة الجمعة الماضية في بيته الحرام، وأكرمني مع الآلاف من المأمومين، وملايين السامعين، والمشاهدين، بالاستماع والاستمتاع بخطبتيكم في تلك الجمعة المباركة. نفع الله بك، ونفعك بهذا الحب والذي أظنهُ - والله أعلم - سرُّ ما فتح به الله عليك. لقد كانت خطبةً رائعةً جامعة، هي في اعتقادي من أجمل وأشمل، وأمتع وأوقع وأنفع ما قيل من خطب في تعليم الدنيا كيف تكون تقوى الله جل في علاه هي جالبة الأرزاق، وكاشفة لكل كرب وضيق، والمخرج والطريق إلى سعادة الدارين. وكم تجليت حين ذكرتم الغافلين من أبناء الأمة، بأن لا يفصلوا في عاطفتهم الدينية بين محبة الله ومحبة رسول الله عليه صلوات الله. ونبهتم أن محمداً هو الرحمة المهداة والنعمة المسداةُ، ومن يُطعه فقد أطاع الله، وأيقظت صرختكم في الناس حقيقة أن انتصار الأمة وعزتها، مرهون بحبه، صلى الله عليه وملائكته - قولاً وعملاً - عليه منا أزكى صلاة وأتم تسليم. وكم سدد الله قولتك حين أشرت إلى قول ابن تيمية جزاه الله خيراً «إن قيام المدحة والثناء يمكنُ قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط للدين كله»، فمحبته عليه صلاة الله وملائكته وسلام الناس أجمعين.. ليست ضرباً من الخيال. وليست تكليفاً بما لا يطاق، ذلك أنها محبة لا يحسها إلا من رزقها، ولا يمسها من كان من تجار الدين، أولئك ما لهم في الآخرة من خلاق الذين قدموا ما لم يتعهد الله بحفظه، على ما تعهد الله بحفظه، مقدمين العقل على الوحي، كل هذا وغيره تسبب في ضعف أواصر هذه المحبة. هكذا أصبح حال الأمة اليوم، أمة ضعفت فيها محبة النبي فصارت جديرة بالذل والهوان. ذلك أن الله تعالى كما استدللتم قال: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)الأعراف). ولقد صدقت حين قلت إن محبة النبي دون اتباعه، ما هي إلا ادعاء محض لا يتجاوز ترقوة راعيها. وإذ كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم، قد تباشروا بتعجيل الفتح وقرب العزة والتمكين، حين سمعوا أن الرسول يستهزأ به، لأن الله قال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (النحل:95) لأن الصحابة يعرفون أكثر، أن شانئ الرسول هو الأبتر، وإني والله لأتساءل في غير تبرير، من الذي شنأ الرسول هذه الأيام؟! أهو الرسام؟ أم هو واقعنا الذي نعيشه نحن المسلمين وبعضنا غارق في ترفه وإسرافه؟! أم هي الصورة التي نرسمها لأنفسنا بأنفسنا في كل مكان، دون خشية أو خوف أو إيمان.. هو الذي صورنا على هذا الشكل في عيونهم، ووضعنا خطوطاً معوجة في خيالهم المريض، الذي استمد من أمراضنا مرضاً أدهى وأمر؟! وسؤالي إلى مقامكم السمح، وإلى قامتكم السامقة اليوم هو: كيف يحدث هذا التمكين وما زال قوم منا يعدونه شركا وضلالة، وبدعاً وجهالة؟! إن الغرب يا سيدي يخترعون شخصيات أسطورية يمجدونها، ويخلقون لها قصص البطولة الزائفة وروايات خارقة حائفة.. ليربوا أجيالهم على الانتماء، حتى لو كان وهماً.. وافتراء وظلماً.. ونحن نملك أعظم هدايا السماء إلى الأرض ونملك أمجد قصص الرحمة والولاء والعهد! إن الذي فتح عليك بطرق هذا الباب اليوم ليكون رداً على المسيئين، أسأله بجلال ذاته وكمال صفاته، أن يفتح عليك في كل القادم من الأيام بما يكون درأ ومداً للعاشقين، لتجري أنهار محبة الأمين، عليه صلاة رب العالمين، جارفة كل ما يأفكون ويصفون ويكتبون ويرسمون تفعيلاً لسنة الحبيب العملية تطبيقاً، وسنته المؤكدة تعميقاً. جزاك الله يا شيخ المنابر كل خير، بكل دمعة أجريتها من عيوننا، وجزاك الله خيراً حين تجعل الدمع فيها سيلا لا يكف، ونبعاً لا يجف، فالحمد لله الذي جعلك تضع يداً منك على جرحنا، فلتحمل من غد في يمناك ترياقا لتبرأ بإذن الله كل جروحنا، تحناناً.. وحناناً وإيماناً وأشواقاً. أخي الكريم لقد عطرت الأثير كله شرقاً وغرباً بعذب حديثك.. نقاء وصدقاً، فلا تحرم المشارق والمغارب أبدا من فوحك وبوحك حتى تجتمع الأمة كلها، عالمها وجاهلها، غنيها وفقيرها.. صغيرها وكبيرها على حبه عليه صلاة ربه، وعليه منا أشرف صلاة وأعظم تسليم، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته).