الرأي

الحج والاقتصاد

محمد العوفي
في مثل هذه الأيام من كل عام تستقبل السعودية ما بين مليوني إلى ثلاثة ملايين حاج من 165 جنسية، يفدون إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج. وتولي الحكومة السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اهتماما أكبر لمتابعة شؤون الحج، والتأكد من سلامة الحجيج وسهولة أدائهم لمناسكهم، وتسخر الحكومة كافة إمكاناتها المادية والبشرية من أجل ذلك. وتسعى الحكومة من خلال إنفاقها السخي لتأسيس بنية تحتية متطورة في الأماكن المقدسة لتيسير حج هذه الأعداد الكبيرة التي تجتمع في مكان واحد في زمان محدد، وتبذل كل ما في وسعها لراحتهم وطمأنينتهم دون أن تنتظر شكرا أو مديحا أو مقابلا لذلك، فهي ـ قيادة وشعبا ـ تؤمن أن خدمة الحاج شرف عظيم خص به الله هذه البلاد. فحتى مساء الثامن من ذي الحجة – وقت كتابة هذا المقال- وفقا للهيئة العامة للإحصاء، بلغ إجمالي عدد الحجاج (1.855.406) حجاج، يُمثل حجاج الخارج منهم (1.325.372) حاجا، ويُمثل حجاج الداخل القادمين إلى مكة (199.922) حاجا، وحجاج مدينة مكة المكرمة، (330.112) حاجا، وهذه الرقم قابل للزيادة. ويمثل عدد الحجاج السعوديين منهم (165.599) حاجا فقط، والباقي حجاج غير سعوديين بلغ عددهم (1.689.807) حجاج من خارج المملكة وداخلها. وهذه الأرقام مرشحة للزيادة في السنوات القادمة بعد انتهاء أعمال توسعة الحرم المكي، وهو ما أكده وزير الحج والعمرة الدكتور محمد صالح بنتن، الذي أشار إلى أن السعودية وفقا لرؤية 2030 تستهدف وصول عدد المعتمرين والحجاج بحلول عام 2020 إلى 15 مليونا، و30 مليون معتمر وحاج في 2030، وأن النمو السنوي في أعدادهم سيصل إلى 40 %، من أصل نحو مليار وسبعمئة مليون مسلم يسعون لزيارة الأماكن المقدسة، يضاف إلى ذلك أن كثيرا من الدول الإسلامية حققت قفزات اقتصادية في النمو الاقتصادي وارتفاعا في مستوى الدخل الفردي، وهذا بلا شك ينعكس على إنفاق الحاج والمعتمر مستقبلا. هذه الزيادة في عدد الحجاج والمعتمرين يمكن أن تحمل أبعادا اقتصادية مجدية، إذا تمت الاستفادة منها بشكل صحيح دون أن تؤثر بالخدمات المقدمة للحجاج. وقد يكون اتجاه وزارة الحج بإنشاء إدارة متخصصة باسم «إدارة اقتصاديات الحج والعمرة والزيارة»، للتركيز على تفعيل الشراكات، وليس الدخول كمستثمر فعلي، هو نقطة البداية في الاستفادة من هذه المواسم الدينية. ما يمكن قوله أن الأبعاد الاقتصادية لموسمي الحج والعمرة تكمن في النظر إليهما كصناعة متكاملة، فهما يتطلبان إنفاقا واستثمارا في البنى التحتية، وفي المقابل يمكن أن يحققا عوائد اقتصادية، ويوفرا فرص عمل للمواطنين، خصوصا عندما تتحول العمرة من موسمية إلى مفتوحة طوال العام، وما سينفقه نحو35 مليون حاج ومعتمر سيكون قيمة اقتصادية مضافة، لأنها تعاني ارتفاعا في الإنفاق على الطلب على الخدمات والمنتجات والمواد الغذائية والاستهلاكية من ناحية، وارتفاعا في الإنفاق على البني التحتية للأماكن المقدسة، والذي لم يتوقف ولن يتوقف في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لهذه الأماكن. ومع تدشين رؤية «السعودية 2030» وبرنامج التحول الوطني، والتي اعتبرت مواسم الحج والعمرة رافدا اقتصاديا مجديا لتنويع الموارد المالية، تكون الحاجة إلى إعادة النظر في استغلال مواسم الحج والعمرة بما يدعم نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والاقتصاد التكاملي بين القطاعات المرتبطة به، كقطاع الخدمات وقطاع التجزئة وقطاع المقاولات وقطاع النقل، وجميعها ستشهد طلبا مرتفعا مستقبلا، وسينعكس ذلك إيجابا على الاقتصاد والموارد المالية والتوظيف. وكل عام وبلادنا - قيادة وشعبا – بخير، وحجاج بيت الله آمنون مطمئنون.