شعاب مكة وجبالها
يقول المثل العربي القديم: أهل مكة أعلم بشعابها. ولا يخفى ما يعنيه المثل من الدلالة والاختصاص لأهل كل بلد بما فيه، ومعرفتهم بمقومات ذلك البلد وأهميته.
الأربعاء / 14 / ربيع الأول / 1435 هـ - 01:45 - الأربعاء 15 يناير 2014 01:45
يقول المثل العربي القديم: أهل مكة أعلم بشعابها. ولا يخفى ما يعنيه المثل من الدلالة والاختصاص لأهل كل بلد بما فيه، ومعرفتهم بمقومات ذلك البلد وأهميته.
وإذا كان هذا المثل قديما، قالته العرب عندما كانت مكة لأهلها قريش خاصة، قبل أن تكون للعرب أولًا ولكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الذين يؤمونها حجاجا وعمارا وفي ذاكرتهم أسماء وأعلام لمكة وما حولها.. يقرؤونها في تاريخهم ويتطلعون إلى رؤيتها عندما تقودهم أقدارهم إليها، لذلك فإن شعاب مكة وجبالها لم تعد خاصة بأهلها، ولكنها أصبحت جزءا من الذاكرة التاريخية والدينية لكل مسلم وحاج ومعتمر.
وقد نال هذه الجبال والمعالم المكية في العصر الحديث ما غير معالمها وطمس آثارها وأزال جبالها وأبكى أهلها قبل الحجاج وزائريها، وهذا عبدالله فراج الشريف -أحد أبنائها- يغرد باكيا عليها فيقول: «كلما زرت مكة عدت منها والدمع يملأ وجهي، وأنا ابنها لم أعد أعرفها، لأن ما أزيل منها هو غالبها.. ما استحدث فيها لا يشعرني بأني بمكة».
لقد نال جميع المدن في العالم من التطور والتغيير ما لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني القديم، وقد تنبه الناس في جميع البلاد إلى ما أحدثته الآلة في الوقت الحاضر من قدرة كبيرة على النيل من الطبيعة وتدميرها وعدم ثبات أي شيء أمامها، حتى الجبال أصبحت لا تستعصي على قدرة الآلة ومطامع الإنسان الذي يسعى إلى تذليلها لصالحه والوصول إلى غاياته منها. ولكن حماة البيئة والمحافظين عليها قدروا خطورة إطلاق اليد القادرة الطامعة على تغيير المعالم، وأوجدوا طرائق شتى للحفاظ على الطبيعة والاستفادة منها في الوقت نفسه، ولا سيما الجبال والمعالم التي لا يمكن إعادتها إذا أزيلت.
وقد نال جبال مكة ومعالمها من الإزالة والمحو ما لا يجوز السكوت عنه، مع أن بالإمكان الاستفادة من هذه المعالم جبالا وأودية بالبناء عليها بعد أن يشذب الشيء القليل منها، والذي لا يغير معالمها، فيبقى المكان على صورته وفي موضعه، كما هو مشاهد في كل قارات العالم الذي عرف أهمية بقاء الطبيعة، والاستفادة منها دون الإضرار بها.
ولعل الجبال العالية في غرب أوروبا وفي كل العالم لم تمنع الناس من البناء على قممها من دون أن تغير أو تزال. ومعالم مكة - ولا سيما الجبال منها- لها مكان لا يمكن مقارنته بأي معلم مهما كانت صفته وموقعه، فهي جزء من تاريخنا وجزء من ذاكرة المسلمين في كل أصقاع الأرض مهما بعدت أوطانهم وأزمانهم.
إن المحافظة على ما بقي من تراث المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة مسؤولية الجميع أمام الله وأمام الحاضر والمستقبل، ولا يجب أن ننساق وراء الآراء والأغراض التي تبرر الأخطاء وتجامل على حساب التاريخ.
كل منا واجب عليه أن يقول رأيه ويدلي بدلوه وينصح ويصلح.
إن معالم المدينتين المقدستين أمانة في أعناقنا أمام الله أولا ثم أمام التاريخ.