إنتاجنا البحثي: الحاجة لهيئة مكافحة فساد العلم والبحث العلمي الوطني!

يحتاج البحث العلمي حتى ينجح إلى مقومات أولها وجود العقل الشغوف بالمعرفة

يحتاج البحث العلمي حتى ينجح إلى مقومات أولها وجود العقل الشغوف بالمعرفة. في تقليب العديد من المنشورات البحثية العلمية لعدد عشوائي من السعوديين الحاصلين على رتبة «بروفيسور» تظهر علامة مشتركة في تلك البحوث: التشتت العلمي والفوضى الفرضية، بمعنى أن عالم أبحاث في أمريكا أو كندا أو بريطانيا يحمل درجة بروفيسور ستشتمل غالبية أبحاثه على سير خط عام يهدف إلى البحث المستمر في فكرة معينة في كل مرة ينتج بحثا فيها أو ينشره يكون عماده مبنيا على ما سبقها من نتائج منشورة حتى ينتهي للعالم بآخر ما يمكن أن يحصل عليه من نتائج تتعلق بفكره مشروعه البحثي. البروفيسور السعودي كالنحلة الطنانه تجد له منشورا بحثيا في مرض السكري وآخر في استخدام تقنية النانو لعلاج مرض جلدي وثالث في اكتشاف طفرة جينية بمرض أطفال وراثي نادر، وقد لا ينتهي بك الحال في تعقبه إلا وتجد اسمه منشورا في بحث خارج حقل اختصاصه! أي إن عقله البحثي مبتور أساسا بالإضافة إلى أن تاريخه البحثي لم يبتدئ بالبحث في مشكلة محددة ولم ينته في حقل تلك المشكلة، مثل باقي العالم من حولنا، ولم تحفل ساحة تلك المشكلة بكثير من البحوث المتعاقبه المبنية على نتائج بعضها. ومع ذلك يحصل البروفيسور السعودي على العديد من الامتيازات لا تنتهي بصرف «بدل مظهر» والتسويق له إعلاميا رغم أن مسيرته في البحث العلمي كمسيرة الناقة العوراء. بتفحص الكثير من المنشورات العلمية السعودية خصوصا الصادرة من جامعاتنا تتضح حقيقة مريرة عامة، وهي أن تلك الأبحاث ليست سوى دراسات تطبيقية على مشاكل سعودية، بمعنى أنها ليست سوى تكرار طريقة الأبحاث الدولية على عينة سعودية للوصول إلى نفس النتائج التي تم التوصل إليها في باقي بلاد الله! ما يسوغ لهذا القرف العلمي هو بيروقراطية النظام الأكاديمي وتعامي مشرعي قوانين الإنتاج العلمي: فهو يعطي كل الامتيازات البحثية لكل من وجد في نفسه القدرة على التسلق حتى يصل لمرتبة بروفيسور على الطريقة السعودية، في استنزاف وإهدار الثروة المالية المقدرة من ميزانية البحث العلمي على انتاج بحوث تزاداد كميا بغض النظر عن فائدتها الوطنية. ومن هنا لا يمكن التعويل على إنتاج هذه العينة من بروفيسوراتنا المحليين وهم لا يزالون بثقافتهم التقليدية يعززون نماذج تسرق الوقت وتستغل الإمكانات المالية والتجهيزات والتسهيلات المتنوعة في سبيل الوصول للشرف العظيم «اللقب: بروفيسور»! لم يعزز هؤلاء ثقافة البحث العلمي لأنهم في صراع مع حصد اللقب، ولم يؤسس هؤلاء للأمانة العلمية التي تزيد من ولاء كل من يعمل في البحث العلمي للمنظمة التي يتبع لها فيما لو هضم حقه ومن ثم يشعر الباحث الشاب بفتور في رغبة الابتكار والتطوير في أجواء ثقافة الغابة الحالية. وإذا فتشنا عن الكارثة الأكبر المتخفية وراء العلاقة العكسية بين تزايد عدد البروفيسورات مع تناقص حجم فائدة البحث العلمي وملامستة لمشكلات الوطن ستكون الإجابة: استغلال الأكاديميين الأجانب لأداء البحوث للدكتور السعودي! هذه الحقيقة المريرة في جامعاتنا لا يمكن التستر عليها بمنخل. وفي حال اختفاء الأكاديمي الأجنبي تظهر من الأدراج روائح السرقات العلمية والفكرية والغش واستغلال الإمكانات والتجهيزات وهضم حقوق المشاركين وكل من يجهل بقوانين الأخلاق العلمية التي تثبت أن أولئك السعوديين المتسلقين على أكتاف الاستغلال ليسوا سوى عالة لا تزال وزارة التعليم العالي تتجاهل تحليلها و»حلها» حينما تراهن على المصير النهائي لإنتاجها البحثي بأن مصيره أكوام الغبار. الخاسر الأكبر هنا هو المجتمع، وكما قال أحد المغردين: «الفساد يحارب الكل والكل يحارب الفساد» فإنه لا يمكن أن يستمر البحث العلمي السعودي بهذا الوهن على الخريطة الدولية طالما أن إدارته رهن عقليات وصولية انتهازية لا تستوعب معنى التنمية لأنها ببساطه لا تفقه بأن البحث العلمي «مشكلة»!.