ألقاب الشعراء توزيع عشوائي في غياب المعايير النقدية

ثمة تساؤلات حول ألقاب الشعراء ومن يطلقها

u0645u062du0645u062f u0627u0644u0642u0634u0639u0645u064a

ثمة تساؤلات حول ألقاب الشعراء ومن يطلقها.. متخصصون، أم أن المسألة لا تعدو كونها مجاملات ووجاهات، وهل هناك «مسطرة معيارية» تمر عبرها تجارب الشعراء، وهل لقب «أمير الشعراء» انتقل من الشاعر الكتابي الذي ظلت تجربته حبيسة الورق، إلى الشاعر الفضائي الذي طار بالنجومية في السنوات الأخيرة؟

المشهد السعودي

أطلق على إبراهيم خفاجي «شاعر الوطن» لإنجازه كتابة نشيد السلام الوطني السعودي «سارعي للمجد والعلياء مجدي لخالق السماء..» فيما لقب الشاعر خلف بن هذال العتيبي «شاعر الوطن» كذلك لحضوره المتألق كل عام في مهرجان الجنادرية الثقافي وعرف كذلك العتيبي وإن كان بشهرة أقل بلقب «شاعر الخليج». وحين أطلق الأديب يحيى المعلمي، رحمه الله، لقب «شاعر مكة» على علي حسن أحمد أبو العلا، سرعان ما ظهر معارضون قالوا إن أبو العلا شاعر مكي فقط، بدعوى أن هناك شعراء آخرين من أهالي مكة هم أحق بهذا اللقب كما أطلق المعلمي، وقال آخرون إن حسين عرب الذي فاز بنشيد الجندية في الخمسينات الهجرية، وقصيدته عن الحج، هو من يستحق لقب شاعر مكة.

فقاعة صابون

يرى الأديب والباحث محمد عبدالرزاق القشعمي أن الألقاب تحولت اليوم إلى تقليعة مثل «مزاين الإبل» وهي فقاعة صابون، وبعضها يستنهض قضايا ميتة مثل الشعور القبلي والطائفية، وهي تشبه بعض البرامج الفضائية في الغناء والفن، وذلك يشمل مسابقة شاعر المليون التي تعتمد التصويت من أجل الربح، وهي لا تقدم أي قيمة للشعر ولا للشاعر. ويضيف القشعمي أنه لا يمكن مقارنة ألقاب الشعراء اليوم كما كان في الماضي، حيث كان اللقب ينتزع من القيمة الجمالية والشعرية، ويعبر عن شاعرية وأصالة، وعادة ما يخلد لقب الشاعر والمبدع أكثر من اسم صاحبه على مستوى الإبداع كما هو الجاحظ وغيره ممن لم يعرفوا بأسمائهم الحقيقية. وقلل القشعمي، من أهمية تلك الألقاب، خاصة أن الناس لم تعد تقبل على الشعر كما كان بالأمس، وقد باتت الرواية تشد الناس أكثر من شعر يحكي عن الأطلال ويتحدث عن الماضي.

ظاهرة قديمة

وأوضح الشاعر جاسم الصحيح، أن ظاهرة الألقاب تعد ظاهرة قديمة في الشعر العربي كـ»الملك الضليل» اللقب الذي ناله الشاعر العربي الجاهلي امرؤ القيس، وكذلك «أمير الشعراء» لأحمد شوقي، وكانت الألقاب تكتسب اكتسابا بعد أن يدفع الشاعر ضريبتها عبر معاناته في الحياة، أما هذه الأيام فهي تمنح بالمجان. وأشار الصحيح إلى أن الألقاب التي ترصع بعض أسماء الشعراء تمثلا شكلا من أشكال الترف في المشهد الثقافي، وليس لها علاقة بجوهر الثقافة لا من قريب ولا من بعيد، لذلك تأتي هذه اللعبة، بحسب وصفه، امتدادا طبيعيا لتسطيح ثقافتنا المحلية، ومحاولة تجريف ما ينبت من نبت صالح في حقولنا الإبداعية رغم قلة هذا النبت. ويقول جاسم «إن اللقب الذي كان يحظى به الشاعر القديم يبقى خالدا، أما الألقاب الشعرية التي يخلعها البعض من الناس على بعض الشعراء هذه الأيام فهي تزول بسرعة والسبب أنها جاءت دون عناء، لذلك لا يمكن أن نطلقها جزافا، فقد يقع بعض الشعراء في ورطة الألقاب حينما يكتشفون أنها لا تشبههم أبدا». ودعا الصحيح كل المسؤولين عن البرامج الشعرية في وسائل الإعلام إلى عدم الانشغال بهذه الأمور السطحية التي لا تضيف إبداعا إلى المشهد الشعري، وعليهم أن يركزوا على جوهر الإبداع.

موجة تشريف

عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة سليمان السناني، يقول: منذ أن بويع أحمد شوقي بإمارة الشعر، باتفاق الشعراء، لم يجمع الذوق العربي على خلع لقب على شاعر، ذلك أن موجة الألقاب في أصلها ليست أكثر من «تشريف»، وإن حاول البعض استغلالها من أجل إثبات جدارة أو الحصول على بريق موقت، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال استحقاق كثير من الشعراء ألقاب حصلوا عليها نظير ما قدموه، فشاعر المرأة نزار قباني، وشاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي، وحسان جلالة الملك، أحمد الغزاوي؛ لمرافقته الطويلة لملوك المملكة العربية السعودية منذ مرحلة التأسيس.

ألقاب موقتة

وبرأي السناني، فإن ألقاب المسابقات الحديثة مثل «أمير الشعراء، وشاعر الملك، وشاعر المليون»، هي موقتة وبمثابة التحفيز، ولا تلبث أن تمنح لشاعر آخر في الدورة القادمة من البرنامج، ولها بريق يدفع الشعراء لخوض غمار تلك المنافسات للحصول على اللقب. ويرى السناني أن تلك المسابقات الشعرية، وأن أبرزت مواهب كانت مدفونة، أسهمت في تقليص مساحة التنافس الورقي لصالح الظهور الفضائي، الذي يختصر على الشاعر سنوات طويلة من التواجد الكتابي في حلقة فضائية واحدة. ويؤكد السناني، متفقا مع رأي الشاعر جاسم الصحيح هنا، أن اللقب ليس أكثر من «بردة» يلبسها الشاعر؛ تزين المظهر لكنها لا تمس الجوهر ولا تعبّر تعبيرا تاما عنه مهما كانت المقاييس دقيقة وصادقة.

ظاهرة استهلاكية

ويقول عضو جمعية أدبي المدينة الشاعر يوسف فضي الرحيلي، إن هذه الظاهرة بدأت في عصر النهضة مع شعراء الإحياء فحافظ إبراهيم لقب بـ»شاعر النيل» وخليل مطران «شاعر القطرين»، ثم كان تنصيب شوقي بإمارة الشعر في احتفال شهير، وتلك الألقاب التي أطلقت على تلك القامات من شعرائنا الكبار ألقاب مستحقة ولا ريب، وقد نالها أصحابها بعد تاريخ فسيح من الإبداع.

فوضى إعلامية

وبحسب الرحيلي، فإن ظاهرة الألقاب الفضائية هي جزء من الفوضى الإعلامية التي أنتجها وينتجها انفجار مفزع في وسائل الاتصال وبروز ظاهر لثقافة الصورة التي يغيب معها الوعي فتغدو الثقافة الحقيقية بشتى صورها كرة تتقاذفها القنوات الفضائية فكل من يلج في هذا الملعب عليه أن يتقبل فكرة أن يكون جزءا من اللعبة.

شاعر اليوم يلقب نفسه

وتقول الكاتبة والناشطة الثقافية تركية العمري إن ألقاب الشعراء لا يطلقها متخصصون في عصر الوسائط الحديثة «تويتر، فيس بوك» فهي تأتي عشوائية بلا معايير، وأحيانا يطلقها الشاعر على نفسه، والمؤسف أن يكون هذا الشاعر هاويا. وتطرح العمري، رأيا مختلفا بشأن مسابقة «أمير الشعراء» التي تصفها بالجيدة وكأنها تقدم أمسيات شعرية لشعراء أغلبهم مبدعون، ولكنهم غير معروفين إعلاميا، بجانب تقديمها ما يشبه ورش العمل للنص الشعري. وتشير العمري إلى أن نجوم مسابقة أمير الشعراء لم يسلبوا اللقب من شاعر المحبرة، فشاعر المحبرة المبدع لديه قنوات إعلامية أخرى منها المواقع الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي وهم شعراء لهم متابعيهم ومحبيهم كذلك.