الصياغة والخلفية الأخلاقية والردع في القانون
الخميس / 7 / ذو الحجة / 1437 هـ - 19:30 - الخميس 8 سبتمبر 2016 19:30
القانون على الورق لا يكفي لضبط سلوكيات المجتمع، فالقانون، والخلفية الأخلاقية له، والسلطة الفارضة له، مثلث لا بد من نجاح كل ضلع فيه ليكون القانون مؤديا لدوره وغرضه في المجتمع، فالقانون سيبقى قاصرا عن تحقيق المطلوب منه إن لم يكن مصاغا بحبكة واحترافية، وإن لم يستند على قاعدة أخلاقية يتبناها المجتمع، وإن لم تكن خلفه سلطة فارضة تردع كل من خالفه.
الصياغة المحترفة للقوانين هي صنعة أهل القانون، والتحدي هو الجمع بين وضوح النص القانوني، والمرونة التي تتيح للنص أن يواكب التطورات والمستجدات، فعدم وضوح القوانين يخلق الشك لدى أفراد المجتمع، ولتفشي الشك حول القوانين تبعات سلبية للمجتمع بصفة عامة، فحصول الشك حول القوانين التجارية -على سبيل المثال- قد يؤدي إلى تقلص استثمارات التجار، وبحثهم عن بيئات تتبنى أنظمة أوضح وأصرح، وذلك لأن وضوح الأنظمة والقوانين يعد من أهم العوامل التي يبحث عنها التجار قبل استثمار أموالهم.
القاعدة الأخلاقية للأنظمة والقوانين أمر في غاية الأهمية، فالشريعة الإسلامية الغراء ذات قيمة أخلاقية لكل مسلم لإيمانه بنزولها من الله سبحانه وتعالى، كما أن كل نظام أو قانون صدر عن اجتهاد في الشريعة سيتلقى قبولا لدى المسلمين للقاعدة الأخلاقية المقبولة لهذا النظام أو القانون، والتحدي أكبر للدول التي لا تستند على منهج رباني في بلورة أنظمتها وقوانينها، وذلك لأن القاعدة الأخلاقية بين أفراد مجتمعات هذه الدول مختلفة ومتضاربة في بعض الأمور، ومن الأمثلة على القواعد الأخلاقية المختلف فيها في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – مسألة الإجهاض، فمن الناس من يرى أن حياة الجنين لا بد أن تحمى في كل الأحوال (pro-life)، ومنهم من يرى أن حرية الحامل في اختيار المضي في الحمل من عدمه لا بد أن تقدم وتحمى في كل الأحوال (pro-choice)، والخلاف هنا أخلاقي لا قانوني.
الصياغة القانونية المحترفة والقاعدة الأخلاقية للأنظمة لا يكفيان إن لم تكن لولي الأمر سلطة رادعة تفرض القوانين، وتردع وتعاقب كل من خالف النظام، سيظل في المجتمع من لا يحترم القيم الأخلاقية له، أو من يحترمها لكن يخالفها لاعتبارات متعددة، ولا بد من سلطة ظاهرة لأفراد المجتمع تبرهن لهم بأن مخالفة الأنظمة أمر غير مقبول، وبأن عواقب المخالفة وخيمة.
وقد قصر بعض فلاسفة القانون (كأوستن) تعريف القانون بأنه كل ما يستند إلى سلطة فارضة ورادعة من الدولة، وذلك لأهمية مفهوم الفرض والردع لديه، ويضاف هنا لنا كمسلمين مفهوم الردع الازدواجي، ردع في الدنيا، وردع في الآخرة، فمن رأى أنه يستطيع أن يفلت من العقوبة الدنيوية، سيكون متيقنا بأنه لن يفلت من المساءلة في الآخرة، وهذا يعزز معنى الفرض والردع في الشريعة الإسلامية.