طائرة عسير.. ورالي حائل (يا من شراله من حلاله علّة)!

كنتُ في فترة ما مهووساً بالبحث عن قصص الأمثال الشعبية، وما إن أسمع مثلاً شعبياً حتى أهرع إلى الكتب المختصة في هذا النوع من التراث، أو عن الرواة والمهتمين بالفنون الشعبية كي أعرف قصّة المثل،

كنتُ في فترة ما مهووساً بالبحث عن قصص الأمثال الشعبية، وما إن أسمع مثلاً شعبياً حتى أهرع إلى الكتب المختصة في هذا النوع من التراث، أو عن الرواة والمهتمين بالفنون الشعبية كي أعرف قصّة المثل، وأذكر أن المثل الوارد بالعنوان بحثت كثيراً عن قصّته ولم أجد له أثراً، وشاءت الأقدار أن أعثر على القصة في وقت لم تعد فيه القصة هاجساً، صحيح أن القصة «فنتازية»، لكن هذا لا يمنع أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم امتناني للمسؤولين الذين ساءهم وجود هذا المثل «وحيداً» بلا قصّة فاختلقوا له قصة تليق بمقامه، صحيح أن السائد هو أن تحدث قصة أو موقف فتتحول لمثل، لكن أن يحدث العكس فنجد المثل مجرداً من القصّة أو الموقف أو المناسبة فنخلق له حدثاً يليق بمقامه فهذه سابقة يجب أن نفخر بها ولا ندعها تمر مرور الكرام، صحيح أن هذا «السبق» حدث في حقول أُخرى كالشعر، فما زلت أذكر شاعراً معاصراً أسمعني قصيدة مدح عصماء، ولفت نظري أن الممدوح مجهول في القصيدة، فلما سألته عن ذلك قال: النص جديد ولم أجد له «زبوناً» بعد! السبب في احتفائي بقصة المثل أنها جاءت من جهات رسمية، وليس تصرفا «فرديا» كما فعل صاحبي الشاعر! والأجمل أن جهتين تتنافسان على الفوز بـ»بوكر» قصّة المثل الشعبي، الجهة الأولى كتبتها أمانة منطقة عسير عندما اشترت - أو أنقذت - الخطوط السعودية ودفعت لها 3 ملايين ريال لشراء طائرة متعطلة منذ سنوات بمطار المدينة المنورة لتحويلها لمطعم. شراء الطائرة المتعطلة من (حلال) الأمانة ليس هو (العلّة) بحد ذاته، وليس أيضاً الصورة الذهنية لدى المواطن عندما يسمع باسم الخطوط السعودية، قدر المواطن أن يعلن (استياءه) من الخطوط السعودية في الأرض والسماء، فالطائرة، حتى وهي مستلقية على ظهر شاحنة، تسببت في تعطيل المواطنين الذين مرّت بكامل هيبتها في مدنهم. ففي الخرمة - كمثال - استلزم الأمر إزالة أجزاء من الميادين العامة ليتاح للضيف الثقيل المرور بأمان، وفي خميس مشيط اضطرت البلدية إلى اقتلاع عدد من الأشجار والجزيرة الوسطية لشارع الستين، وفي طريقها الميمون من المدينة المنورة تسببت في قطع التيار الكهربائي عن عشر قرى، ونائب رئيس شركة الكهرباء اتهم أمانة منطقة عسير بتكبيد الشركة خسائر مادية بسبب عشوائية النقل بحسب تعبيره. الزميل أمجد المنيف، المُنشغل دوماً بما لا يُفيد (كالأرقام والإحصائيات)، قال إن تكلفة نقل الطائرة من المدينة إلى عسير بلغت 2.5 مليون ريال عبر 95 شاحنة. لا أدري كم تكلفتها الحقيقية، ولا أعلم هل سعرها بالإضافة إلى أسعار النقل نحسبه كقيمة طائرة أم قيمة مطعم! ولا شك أن هذه الأرقام والمصائب التي حدثت ستكون في صالح هذه القصة لتنال شرف تمثيل (يامن شراله من حلاله علّة) بحذافيره، لكن هذا لا يعني التقليل من قيمة القصة المنافسة التي وصلت بجدارة (للقائمة القصيرة) التي تمثلها (هيئة تطوير حائل) التي تنظّم (رالي حائل الدولي) سنوياً، وأتمنى ألا يلاحظ القارئ الكريم أن المنُظم ليس (الرئاسة العامة لرعاية الشباب) ولا أمانة منطقة حائل، إنما (هيئة التطوير)، التغافل والتسامح مع هذه المعلومة ضروريان جداً، فالمواطن الحائلي يُقسم أن المثل حائلي المنشأ والملامح، فهو مثلي تماماً لم يسأل يوماً عن هيئة التطوير، عن تنظيمها ومصادرها، لكنه لم يفهم كيف يكون تنظيم رالي في الصحراء (النفود) تطويراً للمنطقة التي تئن من تهالك البنية التحتية، رغم أنه يقرأ الأرقام الكبيرة عن عائدات الرالي، وبنفس التغافل لم يسأل تعود لمن هذه العائدات؟! كلتا القصتين تستحقان الفوز والتتويج كمهر لهذا المثل، وها أنا أُراهن على فوز إحداهما، وسأحتفل بفوز إحداهما، ولفرحي ما يبرره، فعدم فوز إحداهما يعني أن مقالي سيكون هو الفائز بقصة المثل لا سمح الله!

fheed.a@makkahnp.com