ثكلتك أمك
في كل المجتمعات المتحضرة تقع كلمات وألفاظ ومفردات المسؤول تحت طائلة معايير مجتمعية بالغة الحساسية تبعا لقيم المجتمع أو قواعده السياسية أو التأريخية، حتى إن منهم من تقضي إحدى زلاته على مستقبله الوظيفي وتنهي حياته العامة تماما،
الثلاثاء / 24 / جمادى الأولى / 1435 هـ - 00:00 - الثلاثاء 25 مارس 2014 00:00
في كل المجتمعات المتحضرة تقع كلمات وألفاظ ومفردات المسؤول تحت طائلة معايير مجتمعية بالغة الحساسية تبعا لقيم المجتمع أو قواعده السياسية أو التأريخية، حتى إن منهم من تقضي إحدى زلاته على مستقبله الوظيفي وتنهي حياته العامة تماما، وقد يبقى ملاحقا بعارها حتى بعد مغادرته لموقعه، والمجتمع المسلم أولى بذلك وعلى مستوى جميع أفراده وليس على مستوى المسؤول فقط، فمسؤولية الكلمة إحدى القواعد الضابطة للحرية في الإسلام، وللتذكير فإن الإنسان يدخل في الإسلام بكلمة التوحيد التي يلزمه النطق والتصريح بها، وقد يخرج من الإسلام بكلمة، كما أنه مؤاخذ بكلامه المتعلق بغيره إلى حد إيقاع الحد عليه ببعض ألفاظه كما في حد القذف، وهو مطالب وجوبا بالشهادة في الحقوق حين يتوقف إثباتها لصاحبها على شهادته، وهو خلال حياته مطالب بوزن الكلمة وضبطها بمعيار الشريعة في كل أحواله كما جاء ذلك صريحا في جوابه صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين سأل متعجبا عن مؤاخذة المرء بأقواله فقال له: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. ومنطق الإنسان وكلامه يعكس عقله وإدراكه، ولذلك قيل: وزن الكلام إذا نطقت فإنما يبدي عقول ذوي العقول المنطق. والمقصود أن من يتصدر للشأن العام ويكون رأسا فلا بد أن يكون واعيا مدركا لما يتفوه به، مقتصدا في كلامه، متأنيا في موقفه، مراعيا للسياق وللأعراف، ومستوعبا للمآلات والعواقب، ومتخلصا من شهوة الحديث والاسترسال، ومن له معرفة بالأدبيات المتبعة حاليا في الدول المحترمة فسيرى عناية خاصة بخطابات القادة، ووجود متخصصين لكتابتها، مع الانتقاء الشديد للمتحدثين الرسميين، وتأهيلهم على التعاطي مع كل المواقف مع ضرورة أن يكونوا من الأذكياء وسريعي البديهة، ومن مسلمات هذه المواقع والمواقف أنه ليس بالضرورة أن يعلق المسؤول على كل شيء يطرأ له، بل الأصل هو عدم الحديث إلا حين تكون المصلحة ظاهرة حاضرة. وهذا المعنى موجود بصورة أكبر وأخطر في شأن من لهم علاقة بالفتوى أو يمثلون المؤسسات الشرعية، فهم أولى بالاحتياط ومراعاة الآدب وتقديم القدوة الحسنة في ذلك، وسقطاتهم أقبح من غيرهم ومن المفترض أن لا يبقى من عرف منهم بذلك في موقعه لأن ذلك يمثل إساءة لموقعه الرسمي من جهة ولصورة المحسوبين على الشريعة والدعوة من جهة أخرى.