المخاطر الخفية في الكاميرا الخفية
لطالما استنكرتُ المقالب التلفازية والإذاعية، فمبدأ (المقلب) عموماً لا يعجبني مهما كان بسيطاً، لم أصرح بهذا الشعور يوماً،
السبت / 21 / جمادى الأولى / 1435 هـ - 01:00 - السبت 22 مارس 2014 01:00
لطالما استنكرتُ المقالب التلفازية والإذاعية، فمبدأ (المقلب) عموماً لا يعجبني مهما كان بسيطاً، لم أصرح بهذا الشعور يوماً، بل كنت أسكت محاولاً التعايش مع العالَم المبتهج، لكن يبدو أن تلك البرامج قد وقعت في فخ التكرار، فلم تعد المقالب الطريفة البريئة تستقطب المشاهدين، وبدأت خطوات التجديد الجريئة تخترق الممنوع، مغامِرةً بالقيم والأخلاق والإنسانية في سبيل بلوغ نشوة النجاح، سالكةً طريقاً تدميريةً لم يعد يمكنها العودة عنها.
في سنة ماضية، قدم أحد الإعلاميين برنامج مقالب يستهدف الفنانين، وقام بأداء مقالب (حقيرة) كانت إرهاباً حقيقياً: اختطاف وحبس في الظلام وتهديد بالسلاح، ذكرت إحدى الفنانات لاحقاً أنها لا تزال تعاني من آثار ذلك المقلب وتشعر برعب شديد عند تكرار تلك الأحداث في واقعها مع علمها بأن المقلب لن يتكرر، وأنها إنما وافقت على عرضه حتى لا يقال إنها (ثقيلة دم ولا تتقبل المزاح).
لا نختلف أن هذه المقالب قد تكون مضحكة أحياناً، لكن حين نتأمل الأمر: هذا المقدم يقوم بأذية الناس وتصويرهم في لحظات خوف أو حزن حقيقيين، وبعد أن يعبث بمشاعرهم لدرجة مرضية بالنسبة له –كيفما قرأت كلمة مرضية سيكون معناها صحيحاً- يعتذر بكل سماجة وبرود، ويسألهم عن إمكانية عرض المحتوى! حتى لو وافق المتضرر وتنازل؛ تبقى المشكلة في المتلقي: أنه يرى الاعتداء يمر مرور الكرام، بل ويصنف ككوميديا رائعة! مما قد يدفعه –لا سيما الأطفال- لتنفيذ مثلها رغبةً في الظهور بمظهر الشخص المرح، سيقوم بأذية أحد مازحاً فيتعرض لعقاب مباشر أو يتورط في قضية جنائية، أو يفقد علاقته بصديق أو حبيب، ومشكلة أخرى أن من يرفض تَقبُّل مثل هذه الاعتداءات المغلفة بالمزاح سيُنعت بالجبن والسماجة، وهكذا نُشَرْعِن ثقافتين شنيعتين: ثقافة الأذى وثقافة الهوان.
مؤسفٌ أن فوضى المقالب التلفزيونية –بنسختها المؤذية- قد طالت حتى بعض القنوات الإسلامية ولو بشكل أقل تمرداً، إن كانت القيم الإنسانية والأخلاقية قد ضمرت لدى بعض الإعلاميين فأين منهم القيم الدينية السماوية التي تحذر من الأذى والترويع بمزاح أو غيره، بل قد ثبت ضرره الطبي، وفي الحديث (وإن كان ضعيفا): «من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة».
الواجب مكافحة الأذى المستتر بأي ستار، أيها المقدِّم لست ظريفاً بل يائسٌ مثيرٌ للشفقة، أيها الضيف لن تُجسِّد السماحة والأريحية حين تقبل ظهورك على الملأ كأبله، كن شجاعاً، اطلب القضاء، وأخبرني كي أترافع عنك.