هل استعجلنا تسجيل جدة التاريخية في اليونسكو؟
الاثنين / 4 / ذو الحجة / 1437 هـ - 19:45 - الاثنين 5 سبتمبر 2016 19:45
الآن وبعد مضي أكثر من عامين على اعتماد تسجيل منطقة جدة التاريخية كموقع تراث عالمي ضمن قائمة مواقع التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، يا ترى كم نسبة ما تم إنجازه من ذلك الملف الكبير الذي تم تقديمه للتسجيل؟ تسجيل موقع تراث عالمي عبارة عن موقف أي دولة بأن هذه المنطقة تحوي تراثا يعكس قيمة إنسانية عالمية وستلتزم بالحفاظ عليه.
حينها كان تسجيل الملف بالنسبة للملاك بالمنطقة التاريخية وللمهتمين ولجميع محبي ما تبقى من التراث فيها، بمثابة الخطوة المناسبة لعودة جمال المنطقة وروحها التي افتقدتها بعد إهمال وعدم اهتمام لأكثر من ثلاثين عاما، حيث كان آخر اهتمام فعلي لتطوير المنطقة مع بداية عقد الثمانينات من القرن العشرين.
لكن أرض الميدان لا تعكس إنجازات تم الوعد بها في ملف تسجيل اليونسكو، ولا على الأقل جزءا قليلا منها.
الواقع يخبرنا وبحرقة أنه لم يتم عمل الكثير، ففي جزئية أنشطة المحافظة على التراث اللامادي والاجتماعي، فإنه فيما عدا الأنشطة في المهرجانين الرئيسين بالمنطقة (انطلق أول مهرجان قبل تسجيل اليونسكو وكان له دور في دعم ملف التسجيل) فإن جميع باقي المجهودات التي يشكر القائمون عليها، جميعها تطوعية وليست ذات منهج مؤسساتي.
وإن كان يحسب لهذه الأنشطة دورها في تسليط الضوء على القيمة الإنسانية لتراث المنطقة بجدة التاريخية.
وبخصوص الجزء الأهم في مجال المحافظة على المباني التراثية وتأهيلها، فللأسف لم تقم الجهات الرسمية المعنية بهذه الأعمال بترميم ولا بيت واحد من أصل أكثر من 700 بيت وموقع تراثي بالمنطقة. فقط ما تم ترميمه من قبل الملاك والمستثمرين المغامرين في المنطقة لا يتجاوز خمسة بيوت خلال عامين، ترميم يستحق أن يطلق عليه ترميم فعلي لبيت تراثي. وكذلك الحال مشابه بالنسبة للمساجد التاريخية بالمنطقة التي تكفل بترميمها شخصيات من أهل الخير، إلا أنه غير مدرج ضمن مشاريع الجهة المسؤولة عن المساجد التاريخية بالمنطقة، أي مشروع للترميم.
العمل المطلوب يتجاوز بكثير مجرد تبليط أرضيات وتركيب أعمدة إنارة لمنطقة مسجلة باليونسكو كأعمال المحافظة، وعلينا الاعتراف بضرورة تجاوز العروض التقديمية والصور الثلاثية الأبعاد وقائمة المشاريع... وغيرها من أشكال التسويف، أو حتى مجهودات تجميل المباني وعناصرها دون ترميم وصيانة بشكل حقيقي، والتي قد تؤدي لتفريغ المنطقة من قيمتها التاريخية قريبا.
قد يكون للتوجه العام لترشيد الإنفاق دور مؤثر في تأخر تنفيذ المشروعات الحكومية، ولكن إذا كانت هناك خطة سابقة للمنطقة فيفترض أن تكون هذه ضمن العوائق المحتملة، ولا يكون أثرها بشكل شبه كامل كما حصل.
ما يفترض عمله في الوضع الحالي هو: أولا القيام بإعادة كتابة خطة تطوير وإدارة المنطقة بواقعية أكثر تراعي الظروف الحالية، وبمنهج وأسلوب ضمن إطارات التنمية المستدامة، على أن تحتوي هذه على أعداد واعتماد خطة عمرانية شاملة لكامل المنطقة (لا يوجد)، وبطريقة موائمة لبرنامج التحول الوطني لتحقيق رؤية 2030، وتكون مبنية على مؤشرات قياس أداء KPI لجدول زمني للمراجعة السنوية ولعامي 2020 و 2030.
الفترة القادمة تحتاج إلى إشراك المستثمرين والمطورين للمساهمة وبشكل كبير في أعمال ترميم البيوت التراثية، وبمعدل لا يقل عن 70-80 بيتا في السنة.
وعلى الجهات الحكومية، وكما جاء في رؤية 2030، تحديد دورها فقط في تمكين وتسهيل وتنظيم الإشراف على القطاع الخاص ليأخذ مكانه ودوره لتنفيذ المشاريع، مع تقديم المحفزات وكل الضمانات اللازمة.
من تجارب الدول في تطوير أواسط المدن التاريخية والمواقع التراثية، وخصوصا تلك التي بها مبان مهترئة أو خطرة وآيلة للسقوط، إن لم يتم التعجيل بتأهيل هذه البيوت وبقي الوضع كما هو عليه فإنه من الطبيعي أن المنطقة ستفقد من 2-5% سنويا على الأقل.
قد يكون ما لم يتم حسابه عند إعداد ملف تسجيل جدة التاريخية باليونسكو أن جدة غير، أن هذه المنطقة كانت ولا زالت حية على الأقل تجاريا، على الرغم من هدم السور المحيط بجدة عام 1947 م والتوسع والامتداد العمراني بعدها، وهذا التميز هو الذي يحتاج واقعية أكثر وأهمية إشراك السكان والملاك في إعداد خطة التطوير.
جدة التاريخية هي قلب جدة وتمثل حاليا فقط 1% من مساحة مدينة جدة، وكان من المفترض عند البدء في إعداد المخطط الاستراتيجي لمدينة جدة البدء من هذا المركز والانطلاق منه، ومن ثم ربطه تخطيطيا بنمو المدينة لتشكيل الرؤية المستقبلية.
إن عجزنا عن إحياء القلب وتأهيله فكيف سيكون الحال مع باقي المدينة؟