كيف تتحول الشركات العائلية إلى مساهمة؟
الاثنين / 4 / ذو الحجة / 1437 هـ - 19:30 - الاثنين 5 سبتمبر 2016 19:30
تؤكد الدراسات والبحوث التي تناولت تاريخ الشركات العائلية أن بعضا منها يختفي عند وفاة مؤسسها، والبعض الآخر خلال الجيل الثاني، وأن 5% فقط منها تستمر حتى الجيل الخامس، وأن ما يزيد عن 90% من الأعمال التجارية العائلية تنهار عند وصولها إلى الجيل الثالث حسب أكسفورد جورنال (2009)، كما أن بعض الدراسات المتخصصة قدرت العمر الافتراضي لهذه الشركات بـ 40 سنة تقريبا، وخلصت إلى أن واحدا من ثلاثة أنشطة عائلية يعيش حتى الجيل الثاني، ونحو واحد من عشرة أنشطة عائلية يستطيع المواصلة حتى الجيل الثالث، والسبب في ذلك النزاعات الخفية والعلنية بين الورثة.
إحصائيا، تمثل التجارة العائلية نحو 80% من إجمالي الأعمال التجارية، بعض منها مملوك بالكامل، والبعض الآخر مملوك جزئيا بالشراكة، سواء مع أفراد أو مؤسسات أخرى، منها 45 شركة تعد من ضمن أكبر 100 شركة في السعودية. ويقدر حجم الاستثمارات العائلية في الاقتصاد السعودي بقرابة 350 مليار ريال، تستحوذ على نسبة 12% من الناتج الإجمالي.
وهذا يعني أن استمرارية معظم الأعمال التجارية مهددة، وأن هذه الشركات مرشحة للاختفاء بعد جيلين أو ثلاثة على الأكثر، وبالتالي فإن المتضرر الأكبر من بقاء الشركات العائلية على وضعها الحالي دون التحول إلى شركات مساهمة هو الاقتصاد؛ لأنها مرشحة للاختفاء لو بعد حين، إلا فيما ندر.
والنقطة الثانية، أن معظم الأموال والثروات تنحصر في أيدي عوائل معينة، فهي المسيطرة على السوق، وقيمة معظم المشاريع الحكومية ومناقصاتها ستذهب إلى عوائل معينة، وبالتالي انحصار الثروة في عوائل معينة بحكم أنها المسيطرة في السوق، والقادرة على الدخول في مناقصات حكومية أو غير حكومية، يمنع من إعادة توزيع الثروات وتدويرها.
بالنظر إلى المساعي التي تقوم بها هيئة السوق المالية لإقناع ملاك الشركات العائلية بإدراجها في السوق المالية السعودية، نتفق جميعا على إيجابية إدراج الشركات العائلية في السوق المالية للشركة نفسها، وللسوق المالية، وللاقتصاد فيه، وهو أمر لا جدال فيه، فهي ستسهم في زيادة عمق السوق المالية، وستزيد الفرص الاستثمارية فيها، والمحافظة على الشركات من الانهيار لتبنيها قواعد الحوكمة والشفافية، ورفع مستوى الإفصاح، وتجنب المشاكل الإدارية والمالية المستقبلية، وتجاوز مشكلة الملكية من خلال توزيع حصص رأسمال الشركة إلى أسهم أو حصص، مما يسهل خروج غير الراغبين في الاستمرار من خلال بيع حصصهم عن طريق سوق المال.
لكن ذلك رغم إيجابيته لن يتحقق بسهولة، فالتصور المبدئي حول زيادة عمق السوق المالية الذي تعمل هيئة السوق المالية من أجله، من خلال زيادة عدد الشركات العائلية المدرجة في السوق، اعتمادا على مبدأ رفع الوعي بأهمية التحول إلى شركات مساهمة، لن تقبل به معظم الشركات العائلية وفق المعطيات الثقافية المتوارثة، ولن يحقق ذلك التقدم الذي تطمح إليه الحكومة والهيئة على حد سواء.
وبالتالي فإن الاتجاه إلى الطرق التنظيمية والتشريعية لدفع الشركات العائلية للتحول لشركات مساهمة قد يكون أكثر نفعا، كأن تشترط الحكومة أن تكون الشركة الراغبة في الحصول على المناقصات والمشاريع الحكومية شركة سعودية مساهمة، هذا التنظيم سيدفع كبريات الشركات العائلية إلى التحول إلى مساهمة كي لا تفقد ميزتها التنافسية في الحصول على المشاريع الحكومية كمرحلة أولى، ثم تشترط في المرحلة الثانية أن تكون الشركات التي ستحصل على عقود من الباطن من الشركات المساهمة الفائزة بالمناقصات الحكومية شركات مساهمة، وبهذا تلزم الحكومة الشركات الراغبة في المشاريع الحكومية بالتحول إلى شركات مساهمة كبرى، وصغرى، وتتسابق الشركات للتحول إلى شركات مساهمة.
الفوائد التي يمكن تحقيقها من تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة مدرجة في السوق المالية كثيرة، منها: ضمان عدم تعثر المشاريع، وارتفاع مستوى الجودة في الأعمال المنفذة، لأن أي تعثر للشركة أو إخلال في البنود التعاقدية والمواصفات سيؤثر على سعر السهم، وبالتالي فإن المشاريع التي تنفذها الشركة ستخضع لرقابة عالية من قبل إدارة الشركة، يضاف إلى ذلك أنها ستقود إلى إعادة توزيع الثروات لشريحة واسعة عندما تتولى الشركات المساهمة تنفيذ المشاريع الحكومية، فجميع المساهمين سيطولهم نصيب من الأرباح والعوائد المتحققة، علاوة على تبني قواعد الحوكمة والشفافية، ورفع مستوى الإفصاح، ما يمنع من انهيارها مستقبلا، وكل ذلك سينعكس إيجابيا على الاقتصاد.
alofi.m@makkahnp.com