إبراهيم الفتوح.. قلما يجود بمثلك الزمان
بعد رحلة حافلة بالحياة، الرحلة التي تخطّت كثيرا من السنوات بكل تفاصيلها المتعبة والشيقة، السعيدة منها والحزينة،
الخميس / 19 / جمادى الأولى / 1435 هـ - 01:00 - الخميس 20 مارس 2014 01:00
بعد رحلة حافلة بالحياة، الرحلة التي تخطّت كثيرا من السنوات بكل تفاصيلها المتعبة والشيقة، السعيدة منها والحزينة، ودّعنا الدكتور إبراهيم الفتوح الذي كان يشغل منصب مدير عام الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع الصحف والجرائد، الشركة التي نهضت من كسلها بجهوده الجبارة حيث جعلها من كبريات الشركات السعودية الرائدة في مجال المطبوعات وتوزيع الصحف والكتب، حتى إنها تنامت بنشاطاته وأصبحت لها فروع وجذور شملت أنحاء كثيرة من البلاد ودول الخليج، ليعيد لها مكانتها والهدف من تأسيسها في خدمة الناشر والمؤلف والقارئ معاً، فالدكتور له رصيد هائل من الحب في قلوبنا، رصيد لم يأت عبثاً ولا يمكن الحصول عليه بسهولة، هو رصيد ينمو ويزهر حتى يصبح واحة بلا حدود، هو رصيد التعب والفكر والجهد في خدمة الوطن والمواطنين، رصيد قد خصّه الله به يقوم بواجبه كمسؤول بعطف عارم، بقيادة وحزم من دون قسوة وبلين من دون ضعف، رصيده خالد في القلوب، فقد كانت أفعاله تسبق أقواله، هو رجل بنّاء، يطور ذاته وأدواته وما حوله، ينصف القريب والبعيد على حد سواء، لقد صنع من بذرة صغيرة واحة من النشاط والعمل، حتى اقترب الموت فجأة ليغيّب عنّا أبا حسين بعد معاناة مريرة مع المرض، إننا نؤمن بالموت إيماناً مطلقاً ومع هذا الإجماع يبقى وقوعه ثقيل الوطأة، مزلزلاً، عميقاً في النفس، فالجهة العاصفة في ذواتنا، الجهة التي تتألم دون توقف، تستيقظ ولا تنام، وفي هذه المرة فقد كان الألم يغطي قلبي كله أكثر من أية مرة خلت، حتى اغرورقت عيني وذرفت في صمت جليل، لقد كان غياب الدكتور عاصفاً هزّ روحي التي جاهدت أن لا تصدق الخبر، لأقول في صمت:
هكذا تطير اللغة منّا لا تسعفنا لنعبّر عن فضاء كامل من الحزن والألم، الألم الذي تخبئ الذكريات والصور خلفه، وكأن الأنين يغرس بقاياه في الصدور و يعكس الحياة التي انطفأت فجأة، وكان لا بد للراحل أن يتمسك بالحياة حباً وشغفاً، وكان لا بد له أيضاً أن يتجرع كأس الموت المر، تلك الكأس التي نشربها في اللحظات الأخيرة من عبورنا تحت خيمة الحياة ونسلّم الروح لباريها، فما أصعب لحظات الفراق يا أبا حسين على عائلتك ومحبيك، رحلت بعدما أعطيت نموذجاً فريداً للإنسان الصادق والمخلص والوفي، وكنت خير من يزرع في الناس الحب والأمانة، إن ما تركته لا يفنى مهما مرت الأزمنة وتلاحقت الدهور، لا يزول حتى لو تنفس الموت قريباً من الروح، واني أردد قوله تعالى «كل من عليها فان « وإن من سنن الله عز وجل أن لا تدوم الحياة لأحد مهما كان حزيناً أو سعيداً يذوق حلو الحياة ومرها، ولا يمكن لأحد أن يرتاح إلا إذا أيقن بأن الآخرة دار بقاء، وان الحياة تستمر رغم كل شيء، ستتعاقب الأزمنة والسنين، سيعيش كثيرون ويموت من شاء الله له ذلك مريضاً أو معافى في بيت أو في عراء، فلنستمد الصبر من ذكر اسم الله على أقداره المؤلمة أحياناً، وعلينا أن نفتح الباب أكثر للصبر، ونشعل له الشموع ليرى قلوبنا كما يجب وتراه، فقد فقدنا برحيلك أيها العزيز رجلاً عطوفاً، رائعاً قلّما يجود بمثله الزمان، ولا يسعني إلا أن أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيك بالحسنات إحسانا وبالسيئات غفراناً وان يلهم عائلتك وأصدقاءك الصبر والسلوان وأن يجمعنا بك وبهم في جنان الخلد. إنا لله وإنا إليه راجعون.