معرض الكتاب وتصحرنا الثقافي
في هذه السنة لم أستطع زيارة معرض الكتاب، فهو يتطلب مني شدَّ الرحال إلى الرياض، ولم يسمح وقتي بالسفر إليه
الخميس / 19 / جمادى الأولى / 1435 هـ - 01:00 - الخميس 20 مارس 2014 01:00
في هذه السنة لم أستطع زيارة معرض الكتاب، فهو يتطلب مني شدَّ الرحال إلى الرياض، ولم يسمح وقتي بالسفر إليه، وقد شعرت بالألم والحسرة كألم من فقد له عزيزًا؛ إذ إن المعرض مع ما يصاحبه من الاجتماع بثلة من الأصدقاء المهتمين بالمعرفة من المناسبات القليلة التي تشعرني أن مجتمعنا مازال ينتمي لعالم اليوم الصاخب بالحراك الثقافي والفني، فالمعرض بالنسبة للحياة الثقافية في السعودية كمثل غيمة ممطرة تمر على صحراء قاحلة مرة كل سنة، فتنبت قليلا من العشب، ثم لا تلبث أن تحرقها أشعة الشمس، فتذر الصحراء قاعًا صفصفًا، يجللها السكون والصمت، دولة بحجم السعودية سكانًا، وتراثًا، ومكانة، وإمكانات تمر الشهور إثر الشهور ولا تسمع فيها بحدث ثقافي أو فني، حراكنا الثقافي والفني يمكن اختصاره بالجنادرية، ومعرض الكتاب في الرياض، ومحاضرة في نادٍ أدبي هنا أو هناك، ومسرحية للأطفال تقيمها الأمانة يوم العيد، قبل سنوات كان لدينا أستاذ مغربي فكان يسألني متعجبًا: ماذا تصنعون في وقت فراغكم؟ فأنا في بلدكم منذ ثلاث سنوات لم أشهد أي حدث ثقافي أو فني، كل ما شاهدته محاضرة تعقد في النادي الأدبي، وهي غالبًا محاضرة باهتة، حتى أماكن تجمع الأصدقاء لم أجد أنا وبضعة أصدقاء مقهى رخيصًا على الرصيف في الهواء الطلق وسط البلد كما هو موجود في كل بلدان العالم، كل مقاهي المدينة مقاهٍ مغلقة، كأنك في منزل، وغالية الثمن جدًا؟، قلت له: وماذا في المغرب من نشاط ثقافي أو فكري؟ قال: في كل مدينة مغربية عشرات الفرق الفنية، والمسرحية، والجمعيات الثقافية، ودور السينما، والمسارح، ففي نهاية الأسبوع أنت بالخيار بين حضور حفلة فنية، أو مسرحية، أو مشاهدة فيلم سينمائي، أو لقاء ديني، أو فكري، أو أدبي فضلا عن عشرات المقاهي في وسط المدينة، والمنتزهات في ضواحي المدن، وفي كل مدينة جامعة تقيم سنويا في كل تخصص علمي فيها مؤتمرًا علميا دوليا، وتقيم في كل تخصص ندوة علمية على المستوى الوطني، ويعقد سنويا عشرات المهرجانات الفنية الدولية كمهرجان السينما، ومهرجان الفنون الشعبية الدولي، ومهرجان الغناء الصوفي الدولي، ومهرجان المشغولات والحرف اليدوية الدولي، ومهرجان السياحة الدولي، وغيرها من المهرجانات الدولية، فضلا عن عشرات المهرجانات المحلية، ويضاف إلى هذا الأنشطة الثقافية والفنية التي تعقدها الأحزاب، والجامعات، والمدارس، وجمعيات المرأة، وجمعيات الأرياف، قلت: كانت لدينا بدايات نشاط ثقافي مشجعة لو استمرت لربما أصبح لدينا بعض مما لديكم، فأذكر يوم كنت صغيرًا أن كل مدرسة سواء ابتدائية أم متوسطة أم ثانوية لديها جمعية مسرح، وتقيم حفلا مسرحيًّا قبيل نهاية السنة ثم تفاضل إدارة التعليم بين المدراس وتعلن المدرسة الفائزة في حفل إدارة التعليم الختامي، وكانت تقام مباراة ثقافية بين المدارس تسمى (مسابقة ثقافية)، ومباراة رياضية، وهي مسابقات ومباريات تصفية بين مدارس المدينة، تتوج المدرسة الفائزة بالبطولة في حفل إدارة التعليم الختامي، فكنا في نهاية كل أسبوع نحضر تلك المباريات الثقافية والرياضية لتشجيع فريق مدرستنا، وكانت كل منطقة تعليمية، أو الجامعة -إذا كان في المنطقة جامعة أو فرع جامعة- تقيم معرضا سنويًّا للكتاب، تشترك فيه مكتبات المملكة، وأحيانا تشارك فيه دور نشر خارجية كما في معرض جدة للكتاب، لكن الآن كل هذا انتهى تقريبًا، ولا أدري ما السبب؟!، ثم أسست وزارة الثقافة وأصبح النشاط الثقافي العام منوطا بها، وقد تمخض جهدها الثقافي طوال العام عن عقد معرض الكتاب في الرياض في عشرة أيام، وعقد بعض اللقاءات الثقافية، وطرح بعض المحاضرات في نواديها الأدبية فقط، وهذا ما سبب التصحر الثقافي الذي نعاني منه.