معرفة

لبيك حج الفقراء.. رواية تذهب إلى عمق التطهير في الحج

مع مرور الذكرى المائة لميلاد المفكر الجزائري مالك بن نبي عاد الاهتمام بأعماله الفكرية والأدبية، لا سيما رواية «لبيك حج الفقراء»، التي كتبها بالفرنسية، وحيث إنها العمل الأدبي الوحيد له، نشرت عام 1947م عن دار النهضة في الجزائر، وأعاد دار الفكر في 2009 طباعتها، وفي عامي 2015، و2016م وتزامنا مع ذكرى مولد الكاتب المفكر، سارعت عشرات المواقع والمكتبات الالكترونية العربية بتنزيلها رقميا وتوفيرها للقراء. تتميز الرواية بسلاسة الأسلوب في سرد الأحداث وغناها بعنصر التشويق والطرافة، ورغم قصرها وقلة عدد صفحاتها، نسبيا، إلا أنها تحققت في عمل أدبي جدير بالاطلاع، ورسمت الشخصية المنتمية إلى تراث الثقافة والحضارة الإسلامية. أجواء الرواية تتناول شرائح المجتمع الإسلامي بمختلف مستوياتهم وخلفياتهم وجنسياتهم، وتوثق أسلوب حياتهم في حقبة من الحقب - بداية القرن العشرين الميلادي - لتُبرز قصة أعظم رحلة في قلوب المسلمين وهي رحلة الحج. تدور أحداثها في مدينة عنابة الجزائرية إبان الحقبة الاستعمارية، وتضع القارئ في الأجواء التي كان يعيشها الإنسان البسيط في تلك البلدة، حيث مؤثرات النمط الأوروبي طاغية على الحياة العامة. الفاعلية تكشف الرواية جانب الفعالية، حيث تغير إبراهيم بسرعة كبيرة، واستطاع أن يقوم بكل إجراءات الحج في يوم واحد، كما استطاع أن يغير الهادي الطفل اليتيم، ويرشده إلى الدين الصحيح بصورة بسيطة، وفي طريقه إلى الحج، تحولت أزمته إلى حالة صحية بسبب إبراهيم. روح الجماعة يتصاعد الارتباط العميق بالجماعة، بحيث تشكل قيمة كبيرة في شخصية إبراهيم، فالجماعة ترفضه حين ينهار أخلاقيا، وتحمله المسؤولية، وتقف منه موقفا حاسما، وحين يستعيد انتماءه، فإنها ـ الجماعة ـ تتغير بسرعة شديدة، فهو يستعيد انتماءه للجماعة بمجرد استعادته لانتمائه الديني والحضاري. الشخصيات والحبكة العم محمد والطفل هادي وإبراهيم وزوجته زهرة، يمثلون المجتمع الإسلامي بمختلف فئاته، فالعم محمد يمثل الأصالة المتجذرة في الأمة، ويمثل إبراهيم، بانحرافه وفسوقه، الجيل الذي احتك وعايش المجتمع الأوروبي، حيث كان في حيرة من أمره. فما تعلمه صغيرا وغاص في أعماقه لا يتناسب مع ما يطفو على السطح. البطلان: «إبراهيم والهادي» يعملان عملا متشابها، فإبراهيم الذي يبيع الفحم الأسود، وهادي اليتيم الذي يعمل في مسح الأحذية بالملمع الأسود، كلاهما يمثل رمزا للانحطاط الذي وصل إليه جيل إبراهيم وجيل الهادي. زهرة زوجة إبراهيم ظلت على ما عانته من ويلات وعربدات زوجِها الليلية، وبقيت تكِنُّ له كل الاحترام، وتتمنى له الخير وتعامله كما ينبغي للمرأة المسلمة معاملة زوجها. فسلوكها يمثل الرصيد الثقافي المتوارث عبر الأجيال. يتوب إبراهيم من فجوره، ويقرر الاستجابة لنداء الفطرة والدين ونداء المجتمع وعاداته وتقاليده. فينحاز إلى قيم دينه وأمته ومجتمعه وينوي الذهاب إلى الحج، وكان ذلك بمثابة العودة إلى الروحانية والطهارة بعد غوصه في الانحلال والمادية. وعندما صعد إبراهيم إلى الباخرة التقى بحجيج كثر، فشعر أنه امتزج مع مجتمع جديد نقي يرغب في التطهير، وتتسارع الأحداث في الباخرة، وتلتقي الأفكار وتتلاقح الثقافات بين الحجيج وربان السفينة، ويحقق إبراهيم حلمه في أداء فريضة الحج وتغيير نفسه وتطهيرها، وأثناء أدائه لمناسك الحج يقف القارئ معه وهو يتأمل أعماق كل نسك وفرض، حتى يقرر الاستقرار في المدينة المنورة. لبيك حج الفقراء
  • المؤلف: مالك بن نبي
  • ترجمة: د. زيدان خوليف
  • عدد الصفحات: 156
  • الناشر: دار الفكر ـ دمشق