الرأي

خدمة ضيوف الرحمن .. شرف ومكسب حقيقي

السوق

صالح عبدالله كامل
بفضل من الله ومنة، لا نزال نتقلب في هذه الأيام المباركة، التي عظم الله شأنها ورفع مكانتها، ألا وهي عشر ذي الحجة، التي أقسم الله تعالى بها (والفجر (*) وليال عشر)، أقسم بها سبحانه وتعالى لشرفها وفضلها، هذه العشر العمل فيها ليس كالعمل في غيرها، بدليل حديث الحبيب، عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من الأيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء». لقد خص الله هذه الأيام العظيمة بيوم عظيم المنزلة، ألا وهو يوم عرفة، وهو يوم أقسم الله به - وسأتحدث عن هذا اليوم المشهود في مقالي القادم، بعون الله، إذا كنت من شهوده، والذي من المفترض أن يكون يوم الأحد المقبل، أعاد على الأمة كلها هذه الأيام المباركة، وهي في خير ويمن وبركة وسلام، وأعادها على الأراضي كلها وقد عمها السلام، وزال عن وجهها الفساد والطغيان، وباد أهل الظلم والفحش، وتجار الدين وسماسرة الحروب والفتن، ما ظهر منها وما بطن، أولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ونسوا ما حذرهم منه رسول الرحمة والإنسانية «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، وقبل ذلك نسوا تحذير رب العالمين: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) سورة الإسراء 33، واليوم وقد ظهر ما حذر منه الله ورسوله، عليه الصلاة والسلام؛ فكثر القتل والاقتتال، وأصبح هناك البعض ممن جعلوا من ذلك الفسق هواية وديدنا - وللأسف تحت شعار الدين!!- وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) سورة النساء 93. ولعلنا ونحن في هذه الأيام المباركة، والنفوس تقترب أكثر من ربها في مثلها.. علينا التنادي والتذكير بحرمة الدماء، التي شدد ديننا العظيم على حرمتها وحرمة غصب الأموال وسرقتها، سواء كانت أموالا عامة أو خاصة، خاصة بعدما استشرى الفساد في البر والبحر وانتشر في جنبات أمتنا وصار لجبهتها عارا وفيها وصمة. والمجتمعات لا تصلح بسفك الدماء أو بالانشقاقات والرياء، ولا بالمنازعات والبغضاء، وإنما تصلح بعقيدة الإسلام التي تدعو لحفظ الضرورات الخمس، الحفاظ على النفوس والعقول والأموال والأعراض والدماء. فهي عقيدة لا أقول تحترم المسلم وحده، بل الإنسان في كل زمان ومكان، وتحفظ كيانه وتحقن دمه، بل وترفع هذه العقيدة للدين الخاتم شعار الإحسان، ليس مع الإنسان فقط، ولكن مع النباتات والحيوانات قبل أن يعرف العالم هيئات الحفاظ على البيئة وما يسمى بحقوق الإنسان، والرفق بالحيوان. كثير من الأمم والشعوب، كانت وستبقى دائما في حاجة إلى مرشدين ورواد في الفكر تجيء بهم الأيام وتذهب، وكثير من أولئك فشلوا وضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وكثير من دساتير الأرض كتبت ومحيت، وسادت حينا ثم بادت، لأنها من وضع البشر ونتاج عقول لا ترقى إلى الكمال، بل ترقى إليها الشبهات وتلفها الشكوك وعدم الاكتمال، بينما أهدانا الله دستورا سماويا خالدا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقول عنه المبعوث رحمة للعالمين، عليه صلوات الله وملائكته وسلام الناس أجمعين: «ألا إنها ستكون فتنة، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء..». صدقت يا سيدي يا رسول الله، إنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا.. نعم ما أحرانا أن نذكر في هذه الأيام الفضيلة بكل ما يشدنا إلى الله، وبكل ما يعيدنا إلى ربنا لنكون بحق خير أمة أخرجت للناس، ولنظل بصدق على دربه سائرين ولوجهه الكريم قاصدين.. وفي المحبة والسلام راغبين. وما أحوجنا ونحن في البلد الأمين، وفي مدينة سيد الأنبياء والمرسلين، أن نعكس الصورة الأصيلة للإسلام والمسلمين، لنكون القدوة والأنموذج القويم لهذا الدين العظيم، ولنساهم بصدق ويقين في جلاء صورة المسلم السمح ونحن نستقبل في بلاد الحرمين الشريفين ضيوف الرحمن الرحيم، الذين جاؤوا من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم وليؤدوا ركن الإسلام الخامس، وقد هيأ لهم الله تعالى برحمته ورضوانه السبيل والاستطاعة، وأكرم سبحانه وتعالى خادم الحرمين الشريفين إمام المسلمين، وولي عهده الأمين وولي ولي العهد، بما قدر لهم من توفير الإمكانات، وتسخير كل الطاقات، بدءا من نشر الأمن، بإذن الله الحكيم، على كل ثغر، وعند كل ميقات، وعبر كل سبيل ليدخلوها بسلام آمنين، متوكلين على الله ومعتمدين.. ولا بد أنه في خضم هذا القدر الكبير من التهيئة والاستعداد لهذا الموسم العظيم، والتي عندنا عادة ما تبدأ عقب نهاية كل حج منصرم ليكون القادم أفضل، بعون الله، لا بد أن يكون لكل المواطنين دور، أقل درجاته أن يستشعر المواطن أنه مسؤول عن خدمة ضيوف الله، مسؤولية تفوق استشعاره بخدمة ضيفه هو، فخدمة ضيوفنا تزيدنا شرفا عند الناس أولا، وخدمة ضيوف الرحمن ترفع من قدرنا وقيمتنا - إن شاء الله - عند الله والناس. أعلم وأنا واحد من أبناء المكرمة مكة.. أن الحج موسم اقتصادي أساسي بالنسبة لسكان الحرمين، ولكن شرف الخدمة والإخلاص في أدائها هو المكسب الحقيقي وهو البركة الدائمة وهو الخير العميم، وهذا ينطبق على كل منتدب ومختار ومبعوث إلى المدينتين المقدستين والمشاعر العظيمة، والذين عادة ما تجندهم الدولة بأجور مالية مميزة ليكونوا في خدمة ضيوف الله في بلاد الله المحرمة، وهم الأكثر مطالبة بالأداء الأميز لينالوا الحسنيين في موسم الحصاد العظيم، والذين أظنهم إنما عقدوا النية مسبقا على نيل الأجر والثواب من الله أولا وأخيرا، فسوف يؤتيهم الله من فضله، وييسر لهم الأمور كلها، فقد جاؤوا للتيسير على حجاج بيته الحرام وزوار مدينة رسوله المنورة، عليه الصلاة والسلام.. وحتى الذين هم خارج هذه الأنظمة الرسمية في اللقاء بالحجاج، يكفيهم أجرا أن يكونوا أمام الله ثم أمام أنفسهم روحا سعيدة وحضورا ميمونا يسعد ويفرح بما منّ الله به على عباده من فضل ونعمة.. بارك الله في كل الجهود المسخرة لإنجاح هذا الموسم العظيم، وجزى الله كل العاملين الرسميين والشعبيين خيرا، وأعان بقوته وفضله أمير الحج، أمير مكة المكرمة، رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، على المتابعة اليومية والدائمة وعلى التواجد في كل المواقع والمنافذ. وما التوفيق إلا من عند الله.. أسأل الله أن يجمعني بكم يوم الأحد المقبل، يوم عرفة المبارك.. وكل عام وأنتم بخير. تشعر بالفقد الشخصي والحزن العميق.. حين ترحل شخصية عامة أحبها الشباب والرياضيون.. وأحبت هي عمل الخير والبر والإحسان.. رحم الله الأخ الصديق.. أحمد عمر مسعود وأسكنه فسيح جناته.. خالص العزاء لنا جميعا ولأسرته الكريمة وجماهير نادي الاتحاد العريق، وللرياضة السعودية والعربية.. وإنا لله، وإنا إليه راجعون. saleh@makkahnp.com