"بروباجاندا" السياحة الداخلية

سياحتنا الداخلية حديث مجالسنا المؤلم، ونفثات جيوبنا المكلومة، فلا يخلو مجلسٌ من قصة يثبت قائلها أنه سافر إلى الخارج هربا من قسوة فاتورة السياحة الداخلية، ناهيك عن تعرجات الحديث إلى تدني جودة الخدمات السياحية إلى درجات مريعة

سياحتنا الداخلية حديث مجالسنا المؤلم، ونفثات جيوبنا المكلومة، فلا يخلو مجلسٌ من قصة يثبت قائلها أنه سافر إلى الخارج هربا من قسوة فاتورة السياحة الداخلية، ناهيك عن تعرجات الحديث إلى تدني جودة الخدمات السياحية إلى درجات مريعة. إن نظرنا إلى الواقع بعين الإنسان المجرد من الثروات الطائلة، والمطامح التجارية، المواطن الذي يكدح طوال السنة، ليعوض أسرته برحلة سياحية داخل وطنه بعد عناء سنة أو سنتين من الحجر القسري، سنجده واقعا مؤلما، فما يدخره الإنسان من راتبه ربما لا تكفيه ثلاثة أيام في أقل المدن السعودية، فبمجرد أن تبدأ الإجازة تتضاعف الأسعار دون سقف محدد، ويعلنها التاجر بكل بجاحة أنها «موسمه» المنتظَر، في غياب تحديد عادل للأسعار من الجهات المسؤولة. السياحة الدينية في المدينتين المقدستين مكة والمدينة أصبحت لا تطاق، ومن سابع المستحيلات أن يسكن الإنسان العادي في عقار يطل على أحد الحرمين، وسياحة الاصطياف أو الإشتاء صارت أشبه بالحلم لكثيرين، فلا تستغرب أن ترى خيمة منصوبة في سفح، أو رواق يلتف على قوائم مظلات الحدائق العامة أو شاطئ البحر، لأن رب الأسرة لا يقوى على استئجار سكن لائق كريم يحمي أسرته من البرد والبعوض وفضول المارة. هيئة عليا للسياحة، وأمانات وبلديات، ووزارة التجارة وكل هذه التنظيمات التي لم تؤثر بما يطمح إليه أبناء الوطن، فلسنا بحاجة إلى حثنا على السياحة الداخلية، ولا بحاجة إلى برامج تلفزيونية تعرض أبناء الخليج وهم يصطافون في بلادنا، بل نحن بحاجة إلى آليات تجعل السياحة الداخلية جاذبة لأبناء الوطن أولا، وفق إمكانات المواطن العادي. المهرجانات التي تقام في المدن برعاية الجهات المسؤولة هي أيضا تشفط جيوب المواطنين، دون عائد حقيقي على رفاه الأسرة السعودية، والهوة أكبر من توعية وتشجيع إعلامي على السياحة، فالمرافق السياحية بحاجة ماسة إلى عناية فائقة، والخدمات السكنية لا تساوي جودتها ربع سعرها المفروض على السائح. السؤال المؤرق: لماذا لا تستثمر الهيئة العليا للسياحة في قطاعها السياحي؟، فهل ستعجز عن بناء وحدات سكنية نموذجية للسواح في مدن المملكة، تحقق منها العائد الربحي على أعمال الهيئة، وتحد من جشع التجار بوفرة المعروض، وتشرح للمستثمرين درسا عمليا في الجودة التي يستحقها السائح؟، هذا المشروع في نظري (غير الخبير) سيسهم في تطوير القطاع السياحي، وتوظيف الشباب السعودي المتخرج من كليات السياحة، ناهيك عن العائد الربحي على الهيئة التي ستستثمره في برامجها المتنوعة، والثمرة العظمى جذب السائح، وجعل السياحة الداخلية تجربة ممتعة، فقد تعبت جيوبنا من نزفها كل إجازة، والمؤلم أنك تدفع فيما لا يستحق، وتعبت قلوبنا من عتاب أسرنا ونحن لا نستطيع أن نلبي رغباتهم الصغيرة في نظرهم، والكبيرة جدا على مستوى دخلنا ووحشية الأسعار. والسؤال الآخر: لماذا تظل الحدائق العامة في أسوأ حالاتها، حتى تسلّمها البلديات إلى المستثمرين الذين لا يتوانون عن تسويرها وفرض أعلى الأسعار على المتنزهين في الخدمات المقدمة، وكأن دور البلدية ينتهي باستلام مبلغ الإيجار الرمزي من المستثمرين المتسلسلين على الغالب. إننا نتطلع إلى إجراءات حقيقية يلمسها المواطن العادي في حياته، تنعكس على رفاهيته فعليا، فلا تعنينا الأرقام ولا المهرجانات ولا الإعلانات والخطب عن أهمية السياحة الداخلية ولا (صيفنا مع أهلنا أحلى) وأهلنا في الحقيقة أعادونا بعد الصيف طيورا منتوفة الريش، فمهما نظّرنا وتكلمنا والواقع يراوح مكانه سيظل قولنا بدون قيمة، وستبقى نظرتنا للسياحة الداخلية من خلف قتامة (موسم العِبر، لشفط جيوب القادم المنتظَر، ويا موطني كلك نظر).