السلاحف تستطيع الطيران

حين رغبتي في التعرف على ثقافة بلد، فعادةً ما أقرأ رواية عنه، أو أشاهد فيلماً حاصلا على جوائز عالمية له

حين رغبتي في التعرف على ثقافة بلد، فعادةً ما أقرأ رواية عنه، أو أشاهد فيلماً حاصلا على جوائز عالمية له. وكنت قد انتهيت من مشاهدة الفيلم الإيراني الذي حاز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان السينمائي (انفصال)، حين ظهر لي في القائمة الجانبية لخيارات اليوتيوب رابط فيلم يظهر في صورته مجموعة من الأطفال. ربما ما لفت نظري لفتحه هو عنوانه الغريب (Turtiles can fly) بالترجمة (السلاحف تستطيع الطيران)، وأنه حاصل على عدة جوائز عالمية. وربما ما لفتني أيضا أنه كردي، وأنا حقيقةً لا أعرف كثيراً عن الأكراد. تجري أحداث الفيلم في مخيم حدودي وسط مجموعة من قرى كردستان العراق، أبان الهجوم الذي شنه عليهم صدام حسين، وقبيل دخول القوات الأمريكية العراق بأسبوعين. بالأخص قرية حلبجة الحدودية التي قُصفت بالأسلحة الكيماوية. فمن بين أنقاض القرى المهدمة، والأراضي المحروقة، وبقايا آلات الحرب الملقاة هنا وهناك. يظهر الفتى ذو الثلاثة عشر عاماً والملقب بـ(ستالايت) والذي يتميز بذكائه وبمعرفته لبعض الإنجليزية. يلعب هذا الفتى دور القائد لمجموعة من الأطفال من مختلف الأعمار، بعضهم يتيم، وبعضهم مبتور اليد أو الساق. يرعاهم ويهتم بأمورهم، والأهم يقتات لهم من خلال توجيههم لجمع الألغام من الحقول لبيعها في السوق السوداء لمندوبي الأمم المتحدة. سترون بأم عينكم قطعةً من عالم الحرب، وستعيشون بكل حواسكم الحياة في مخيمات اللاجئين. وإن كنتم تتوقعون أن تقضوا الفيلم شاعرين بالألم والمرارة، فاستعدوا للمفاجأة، لأنكم من فرط واقعية الفيلم ستتعدون هذا الشعور، إلى شعورٍ آخر بالإندماج و الانغماس في الأحداث والشخصيات لدرجة التعايش معهم، والإحساس بضحكاتهم وشجاراتهم، و براءة طفولتهم الرجولية. أرجوكم شاهدوا الفيلم، وأعدكم بأن تختلط ضحكاتكم بدموعكم حتى لا تعودوا تميزون الفرق بينهما. أعدكم بأنكم ستبدؤون بالنظر حولكم ومساءلة إحساسكم بأن ظروفكم هي مسلمات لا جدال عليها. أعدكم بأن الفيلم سيجعلكم أكثر نضجاً، وأكثر إنسانية. أعدكم بأن هذا الفيلم سيغيركم للأبد.