سميث ينتقد بوش على شخصنة السلطة الرئاسية
الجمعة / 1 / ذو الحجة / 1437 هـ - 20:30 - الجمعة 2 سبتمبر 2016 20:30
من الطبيعي في المشهد السياسي الأمريكي أن يصبح الرؤساء أكثر شعبية بعد انتهاء فتراتهم الرئاسية، وهذا ما حدث مع الرئيس جورج بوش الابن.
فقبل انتهاء فترته الرئاسية بنحو شهرين، كانت شعبية الرئيس جورج بوش قد هبطت بشكل حاد إلى 25% فقط، وهي أقل بنقطة واحدة من شعبية الرئيس ريتشارد نيكسون خلال فضيحة (ووتر جيت)، وبعد ذلك حدث ما كان متوقعا. غياب بوش عن المشهد العام جعل قلوب الأمريكيين تشتاق إليه.
بعيدا عن الأضواء، أشغل جورج بوش نفسه برسم لوحات فنية للحيوانات الأليفة وزعماء العالم، وعندما يظهر في مناسبات عامة، كان يتحدث عن قضايا غير مثيرة للجدل مثل مكافحة أمراض الإيدز والملاريا في أفريقيا، لذلك بدأت شعبيته تزداد بشكل ثابت.
بحلول يونيو من العام الماضي، كانت شعبية جورج بوش قد وصلت إلى 52% -أعلى من شعبية الرئيس باراك أوباما- في ذلك الوقت.
في واقع الأمر، يبدو أن الشعب الأمريكي ينسى مساوئ رئيسه بعد انتهاء فترته ويتذكر عنه الأمور الجميلة فقط، مثل المهاجر الذي لا يتذكر من بلاده سوى اللحظات الجميلة.
لكن كتاب «بوش» للمؤرخ الرئاسي المعروف جان إدوارد سميث الصادر عن سايمون اند تشوستر، 2016 سيشفي بالتأكيد القارئ الأمريكي من هذا الفقدان العاطفي للذاكرة السياسية.
جان إدوارد سميث -الذي كتب سيرة حياة الرؤساء الأمريكيين السابقين يوليسيس جرانت وفرانكلين روزفلت ودوايت أيزنهاور- لا يبدي أي شفقة في حكمه على الرئيس جورج بوش.
يقول سميث في الجملة الأولى من مقدمة الكتاب «نادرا ما لقي الشعب الأمريكي في تاريخ الولايات المتحدة خدمة سيئة مثلما لقي خلال فترة حكم جورج بوش»، وبعد ذلك يصبح أكثر قسوة.
يقول الكاتب إن جورج كان في بداياته شابا يفتقر إلى الخبرة، فقد ولد وفي فمه ملعقة من الذهب ضمن أسرة ثرية تتمتع بعلاقات واسعة.
واستفاد بوش من وضعه الاجتماعي في كل شيء تقريبا، من دخوله في جامعة يال إلى تجنبه للخدمة في فيتنام.
ويشير الكاتب إلى أن الوصف الذي قدمه بوش عن نفسه عن فترة شبابه بقوله «عندما كنت شابا وغير مسؤول، تصرفت كشاب غير مسؤول» يقدم الصورة الحقيقية بشكل كامل. عندما كان بوش حاكما لولاية تكساس، لم يتعامل مع منصبه بجدية كاملة، وكان فوزه في الانتخابات الرئاسية 2000 يعود إلى عدم كفاءة المنافس الديمقراطي، آل جور، وليس بسبب كفاءة جورج بوش نفسه.
ولم يكن هذا الأمر مفيدا في إعداد جورج بوش لتحمل مسؤولياته الرئاسية فيما بعد، الأمر الذي أدى إلى فشل الرئيس بوش مرات ومرات في مواجهة التحديات التي واجهها وهو منصبه.
ويقول الكاتب إن بوش تعامل بسلبية تامة مع كارثة إعصار كاترينا في أغسطس 2005، حيث «اكتفى بمشاهدتها وهي تحدث».
كما كان العامل الرئيسي الذي اعتمده في ترقية الموظفين حوله إلى مناصب حساسة هو استعدادهم لتلبية أوامره دون نقاش، حتى خطابات بوش لم تسلم من انتقادات سميث، خاصة الخطاب الافتتاحي للمرحلة الرئاسية الثانية الذي يقول سميث أنه كان من أسوأ الخطابات الافتتاحية في تاريخ الرؤساء الأمريكيين.
ثم تأتي بعد ذلك بالطبع قضية حرب العراق التي استهلكت معظم الفترة الرئاسية للرئيس بوش، وكذلك معظم أجزاء هذا الكتاب.
يقول سميث إن جهل بوش بالأنظمة والمعايير المتبعة خارج حدود الولايات المتحدة، وهوسه بدوره كقائد أعلى للجيش والقوات المسلحة الأمريكية، جعل الرئيس الأمريكي يرتكب «أسوأ خطأ على الإطلاق ارتكبه رئيس أمريكي في السياسة الخارجية».
ويقول سميث إن جورج بوش يتحمل وحده مسؤولية قرار الحرب في العراق، وجميع القرارات الخاطئة الأخرى، بالكامل، بالرغم من أن البعض كانوا يحاولون تصوير بوش في كثير من الأحيان على أنه كان دمية في يد ديك تشيني أو كارل جروف أو بعض الشخصيات الأخرى التي كانت تعمل من وراء الستار، إلا أن سميث يؤكد أن الرئيس بوش كان صاحب السلطة المطلقة والنهائية في إدارته، وكان يحب دائما أن يقول عن نفسه «إنه صاحب القرار».
لكن بوش وضع عددا من مساعديه المقربين في مناصب مهمة، مثل كونداليزا رايس التي عينها مستشارة للأمن القومي في البداية ومن ثم وزيرة للخارجية، وكانت رايس تحرص دائما على تقديم معلومات تجعل بوش يشعر بالراحة.
وفي حال أعطاه مساعدوه تحليلا منطقيا وواقعيا بأسبابه وحيثياته بدلا من التحليل الذي يجعله يشعر بالراحة، كان بوش ببساطة يتجاهله ويعتمد على حدسه الخاص.
نظرية سميث حول سعي بوش إلى «شخصنة السلطة الرئاسية» تجعله أحيانا يعفي بعض شخصيات الإدارة البارزين من مسؤولياتهم التاريخية، فهو يصور ديك تشيني، على سبيل المثال، على أنه مجرد مساعد مخلص لصديقه جورج بوش، وأن توليه قيادة الرد على هجمات 11 سبتمبر كان بسبب جهل بوش بمثل هذه القضايا.
وكذلك لا ينتقد الكاتب عجرفة دونالد رامسفيلد في الوقت الذي يهاجم فيه بشدة تصريحات جورج بوش القتالية التي يصفها بأنها كانت تشبه تصريحات حكام أوروبا الدكتاتوريين في منتصف القرن العشرين.
ولكن بالرغم من انتقاداته اللاذعة للرئيس جورج بوش، إلا أن سميث يتعامل مع الحقائق بشكل عقلاني وعلمي يتناسب مع مكانته كمؤرخ معروف.
عمل جان إدوارد سميث عضوا في هيئة التدريس في جامعة تورنتو في كندا لمدة 35 سنة، وفي جامعة مارشال في الولايات المتحدة لمدة 12 سنة، كما كان أستاذا زائرا في كل من جامعات كولومبيا وبرينستون وجورج تاون.
له عدة كتب عن رؤساء أمريكيين سابقين، وفاز في 2008 بجائزة فرانسيس باركمان لجمعية المؤرخين الأمريكيين.