قنوات الأشباح

وصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام، القنوات المصنفة مذهبياً والداعية إلى التعصب والإقصاء وكراهية ونبذ المذاهب المخالفة لها - وصفها – بـ(قنوات الأشباح)، رداً على سؤال عن دور الوزارة وموقفها من هذه القنوات والتصدي لها، وكان ذلك في حوار تلفزيوني حول هذه القنوات وآثارها

وصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام، القنوات المصنفة مذهبياً والداعية إلى التعصب والإقصاء وكراهية ونبذ المذاهب المخالفة لها - وصفها – بـ(قنوات الأشباح)، رداً على سؤال عن دور الوزارة وموقفها من هذه القنوات والتصدي لها، وكان ذلك في حوار تلفزيوني حول هذه القنوات وآثارها. ومعنى كونها (قنوات أشباح) أنها ليست مؤثرة، وليس لها حضور في اهتمام المشاهدين، ولا تملك قدرة على توجيه الأفكار والرؤى، والتعبئة النفسية والفكرية ضد المخالفين. وليس الأمر في حقيقته كذلك، لأن هذه القنوات تحظى بنسب مشاهدة عالية، ولها فرسانها من الوعاظ والدعاة المعروفين وغير المعروفين، كما أنها تستفيد من خدمات البث الفضائي، الذي تملك حقوقه مؤسسات الإعلام الحكومية، والخاصة في الوطن العربي. ولو لم تجد (قنوات الأشباح) قاعدة جماهيرية تُتابع وتتداخل وتُشجع وتتفاعل وتدعم، لما استمرت إلى اليوم، ولما اجتهدت وتفنَّنت في توسيع الشرخ بين أتباع المذاهب، والعزف على وتر المذهبية والطائفية البغيض، ولما تكاثرت وتنافست على هذا الهدف غير النبيل. ولما كانت أحاديثها وبرامجها، ونوادر شيوخها وقضاياها الصغيرة الخطيرة، حديث عامة الناس وخاصتهم، في منازلهم وتجمعاتهم ومنتدياتهم. ولما صنعت رموزاً وأئمة لا يدعون إلى خير أبداً..! بل إلى مزيد من التعصب، والنيل من عقائد الناس، والوصاية على نواياهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم. وكانت ظاهرة (قنوات الأشباح) من مخرجات طفرة الإعلام التلفزيوني، والإلكتروني، وأقنيته المتعددة ومجالاته الاستثمارية، ونظمه الإدارية-إضافة إلى أسباب ثقافية واجتماعية أخرى- التي يسرت ظهور وبروز دعاة الكراهية، الذين وجدوا فيها متنفساً لأفكارهم وأطروحاتهم وأزماتهم الفكرية، ومجالاً لتصفية حساباتهم مع المختلفين معهم مذهبياً أو فكريا. والأمر الخطير في أمر هذه القنوات، هو خطابها القادر على استمالة فئات معينة من الجماهير، وجدت فيهم قابلية لاستنبات بذور العداء والكراهية ضد مخالفيهم من أتباع المذاهب الأخرى؛ فدأبت على ترسيخ ظاهرة التصنيف، والتعامل مع العقائد أو التقاليد والتوجهات بأقوال شائعة، وأفكار نمطية ضد هذا المذهب أو ذاك، وإحلال أقوال وآراء المتعصبين من رموزهم، محل الدليل النصي القاطع، أو المقصد المصلحي المتفق عليه من علماء الأمة. وتقديس الولاء للأشخاص بدل التحقق من أقوالهم وأفكارهم، وقياسها على صحيح الدين نصاً وقواعد ومقاصد. والمتابع لأطروحات هذه القنوات، لا يخفى عليه الخلل المنهجي في أجنداتها ومنطلقاتها، واصطدامها بمقررات الدين والمنطق والواقع. والأخطر الأبرز في ذلك، هو افتئاتها على أحكام الدين وشرائعه، وحدوده وآدابه، من خلال تأصيل نزعة الكراهية ضد المخالفين، وتكفيرهم أو تفسيقهم، والتحريض على عداوتهم واستباحة حرماتهم، باعتبار ذلك شعيرة تعبدية، وتلقى مثل هذه الدعوات قبولاً لدى شرائح اجتماعية يتوقف فهمها للدين وأحكامه ومقاصده، أو للمذاهب، على المحاكاة والتقليد والاتباع. ومن ثم فإن خطر تلك القنوات أكبر من استئصالها، أو وصفها بـ(قنوات الأشباح)؛ لأنها حقيقة حاضرة وواقع مشاهد وحي، يقتضي التعامل معه بموضوعية واعية، وبخطاب مواز لا زالت القنوات الرسمية في المستوى الخفيض من درجاته. ولعله من غير المنطقي تجاهل تداعيات خطاب (قنوات الأشباح) لأن لها جماهير وأتباع يتكاثرون ويتوالدون ويتناقلون أفكارها ويسهمون في إذاعتها ونشرها ويتواصون بذلك بغية الأجر والثواب. وهي - القنوات – راعية ومواكبة وناقلة لأية فعالية أو منشط، يقوم به أفراد أو مؤسسات يتوافق-مع- ويتبنى خطها الفكري، وقد أسهمت في صناعة رموز وعظية ودعوية تسير في الاتجاه ذاته، وربما انتهزت واستثمرت شهرتهم وقناعة العامة بهم، لكسب مشروعيتها؛ ومن ثم فالموقف منها لا يمكن أن يكون بتجاهلها فقط، أو استسهال واستصغار النتائج المترتبة على ما تبثه من دعاوى، وتسعى إلى ترسيخه وتأصيله من أفكار وتوجهات. في ظل غياب طرح إعلامي احترافي ومهني للقنوات الحكومية، يؤسس ويدعو إلى الاعتدال ويقر بمبدأ الاختلاف ويؤمن بالتنوع والتعددية ويرعى حق الله في خلقه، ويشيع فضيلة التسامح والتعايش مع المختلف، واحترام حريته في الاختيار، التي ضمنتها كل الأديان ويعزز قيم المشتركات الدينية والوطنية والإنسانية؛ التي هي أسمى المشتركات التي تجمع ولا تفرِّق.وتستوعب ولا تقصي، وتقر بمبدأ الاختلاف في الدين والمذهب والرأي.ولا تقصي أو تستبيح أو تلغي، وتؤثر الحوار بدل التصفية الفكرية، وتعميق ذرى الشقاق والكراهية. مثل هذا الدور أو الطرح المفترض ظل حيِّياً ومضمراً في أحسن حالاته، ومنعدماً في أظهرها، لا نكاد نجده في أحاديث وخطب (المعتدلين) أو من يُدعون بـ(المحايدين) من المشهورين وغير المشهورين في تلك القنوات..وكأن ما يجاهر به أولئك، يروق لهؤلاء، يُسار ويُسرُّ به الممالئون والمتواطئون على توجهات لم يأمروا أو يشاركوا بها –علناً-ولم تسؤهم، بل سرَّتهم، في حين لا يملكون جرأة إعلان موقفهم صراحة من أي الفريقين، طالما يصب أحدهما في اتجاه ينهلون من قطافه ويغذون موارده بدهاء وذكاء وخفاء ومراوغة، أو بالصمت. الذي لا تخفى أسبابه وأهدافه. ولله الأمر من قبل ومن بعد.