الولاية المطلقة والمرأة: منتجات الإدارة بالأحوط

جزء كبير من مشكلات مجتمعنا التي ظهرت مع تحولات التنمية لا علاقة لها ببعض الأوهام حول الثوابت والقيم

جزء كبير من مشكلات مجتمعنا التي ظهرت مع تحولات التنمية لا علاقة لها ببعض الأوهام حول الثوابت والقيم. العديد من المفاهيم ظهرت من تصورات إدارية تقليدية، وإذا قدر لك التأمل الطويل من داخل عقلية الجهاز الحكومي، ورؤية كيف تصاغ خطاباته وتعميماته، ستكتشف كيف تتوارث التقليدية الحقيقية على أصولها بين أجيال عديدة من المسؤولين. النص الحكومي في الخطابات بين الموظفين الصغار والكبار، وفي كل القضايا المهمة والتافهة له سمات محددة، بعضها لا بد منه بسبب طبيعة العمل، والآخر يكشف لك نوعية الذكاء الإداري السائد والمتوارث..الذي يبدع في ابتكار (الأحوطيات) التي تحميه كمسؤول، وينزع لأسهل الطرق للسيطرة الإدارية التي تعفيه من الصداع التفصيلي حول قضايا عديدة. هذه العقلية لا تفكر بنوعية الصعوبات التي تواجه الفرد في المجتمع، بسبب شروطه الأحوطية، بقدر ما تفكر في راحة وحماية الذات من المسؤولية. الإدارة بالأحوط والبحث عن الأسهل عبر المركزية أحد فنون الإدارة السعودية، ولدت عفويا وبدون وعي أحيانا من ذهنية وعي الحمولة والعشيرة والقبلية في إدارة ذاتها في الماضي، ولهذا تبدو فكرة الكفيل لإدارة الوافد ناتجة من هذا الرؤية الإدارية. كثيرون يظنون أن الرؤية بالأحوط خاصة بالفقيه التقليدي والواعظ الديني، وليست من صميم وعينا الإداري، فيحولها الواعظ النشط إلى فضيلة يصارع من أجلها!الخلل في تموضع المرأة في مسار التغيير الاجتماعي هو من منتجات هذا الوعي، فعدم التمييز بين ما هو شرعي ومحدد بمسائل معينة فقهيا، وبين التوسع في التقييد بشروط إجرائية (وضعية) حول خدمات وحاجات كثيرة، أسست لها هذه الذهنية الإدارية فبدت كأنها ولاية مطلقة بلا ضوابط. من المهم أن تؤخذ مشكلاتنا بعقلانية وهدوء فهي لم تخترع في الواقع بسبب مقالات، ولم تصنعها برامج أو مطالبات. يجب أن يدرك كل من لديه حس بالمسؤولية، أن مجتمعنا اليوم ليس هو مجتمع الأمس، فالمتغير الاقتصادي والتنموي أحدث تغييرا ضخما في هياكل كثيرة داخل المجتمع، ويحتاج فقها واعيا، فقبل تغير وضع المرأة اقتصاديا، فقد تغيرت تركيبة الأسرة، وتلاشت ظاهرة الحمولة الكبيرة داخل سقف منزل واحد. كثير من مشكلات المرأة اليوم في مجتمعنا لها علاقة بأخطاء البدايات العفوية إداريا، منذ أن كان المجتمع ريفيا إلى أن أصبح مجتمعا أكثر تعقيدا مصابا بكل أمراض الحداثة والعصر والنفط. عندما ألغت وزارة العمل اشتراط موافقة ولي الأمر، وقد كان نظام العمل القديم ينص على أنه لا يتم توظيف المرأة إلا بأخذ موافقة ولي أمرها، ومع ذلك تمسكت بالنظام القديم بعض الشركات ليس لأنها محافظة على الفضيلة أو وقافة عند حدود النظام القديم، وإنما لأنها تعرف المصلحة الإدارية من هذا الشرط القديم لتحمي مصالحها، فوجود شبه كفيل يساعدها وقت المشكلات التي قد تحدث مستقبلا. عندما قرأت بعض التعليقات على إلغاء هذا الشرط في حينه، لفت نظري تعليق قارئ معترض أسفل الخبر، يعبر عن طريقة تفكير تربى على هذا الإرث الإداري يقول فيه «يعني الوالد صار طرطور حسبي الله عليكم يا وزارة العمل». لماذا افترض هذا القارئ الكريم أن والده سيصبح طرطورا عندما يلغى هذا الشرط!؟ مع أن الطرطور الحقيقي هو من لا يستطيع إدارة أسرته وخياراتها..إلا بالاستعانة بقوة الدولة وأنظمتها بمثل هذه الشروط! إذا كانت الأسرة مستقرة بلا مشكلات داخلية مع ولي أمرها..الذي ينشد مصلحتها، وهذا هو الأغلب في المجتمع، فإن وجود مثل هذا الشرط لا يضر ولا ينفع لأنه مجرد ورقة سماح لدراسة أو عمل لا يكون بالسر عادة فهو يتطلب خروجا يوميا، وسيعرف ولي الأمر ذلك دون الحاجة لهذا الخطاب، لكن عندما تكون هناك مشكلات أسرية لنماذج عديدة لا يمكن حصرها، فإن هذا الشرط يجعل من شرط ولي الأمر هنا أكثر تعقيدا، لأنها قد تستغل مثل هذه الأمور كوسائل ضغط في المرحلة التي يكون فيها ولي الأمر في حالة خلافية قد تنتهي بالطلاق..في أي لحظة، فيصبح ولي أمر انتهت شرعيته..لكنه بعد أن يكون فوت فرصة وظيفة محترمة لسيدة بأمس الحاجة لها ولأبنائها. كثير من الشروط الإدارية تستحق التأمل والمراجعة للحفاظ على قيم المجتمع وتقاليده، فعندما تكون بعض الأنظمة قديمة لا يعني دائما أنها مناسبة دون حوارات ومراجعات نقدية لديها روح المسؤولية الشرعية والتاريخية. الفضيلة لن يحافظ عليها بمجرد التباكي دون وعي..نتيجة طريقة تفكير تصورت مسارا معينا للخلل الأخلاقي في هذا العصر، ولا يعرف أن هناك مسارات أخرى لهذا الخلل..قد يكون عناده هو أحد أسبابها.

alkhedr.a@makkahnp.com