الرأي

تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)

حسين باصي


بينما ينشغل العالم بالبحث عن حلول سحرية لمواجهة التغير المناخي، تقدم المملكة العربية السعودية نهجا واقعيا وشاملا يعتمد على الهندسة والابتكار، وهو نهج الاقتصاد الدائري للكربون (Circular Carbon Economy - CCE). في قلب هذا النهج تقع حزمة من التقنيات الاستراتيجية المعروفة باحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS). القصة هنا ليست عن التخلي عن مواردنا الهيدروكربونية التي بنينا عليها نهضتنا، بل عن تطويع التكنولوجيا لضمان استمرار استخدام هذه الموارد بطريقة مسؤولة ومستدامة، تضمن خفض الانبعاثات الكربونية بشكل جذري مع الحفاظ على النمو الاقتصادي والصناعي.

تتمحور تقنية CCUS حول فكرة هندسية ذكية: بدلا من السماح لثاني أكسيد الكربون بالانطلاق إلى الغلاف الجوي من مداخن المصانع ومحطات الطاقة، نقوم «باصطياده» واحتجازه . تبدأ العملية بمرحلة الاحتجاز (Capture)، حيث تستخدم مذيبات كيميائية وتقنيات متقدمة لفصل الكربون عن الغازات الأخرى. المرحلة الثانية هي النقل (Transport)، حيث يضغط الغاز وينقل عبر شبكة أنابيب متخصصة. وهنا تأتي مرحلة الحسم: فإما أن يتم تخزينه (Storage) بشكل دائم وآمن في طبقات جيولوجية عميقة تحت الأرض، أو استخدامه (Utilization) وتحويله إلى منتج ذي قيمة اقتصادية.

تمتلك المملكة ميزة جيولوجية استثنائية تجعلها مؤهلة لتكون مركزا عالميا لتخزين الكربون، حيث تتوفر لدينا مكامن جيولوجية آمنة (مثل حقول النفط والغاز الناضجة وطبقات المياه المالحة) قادرة على استيعاب كميات هائلة من الكربون لآلاف السنين. تقود الشركتان الوطنيتان العملاقتان، أرامكو وسابك، جهودا جبارة لإنشاء واحد من أكبر مراكز التقاط وتخزين الكربون في العالم في مدينة الجبيل الصناعية، بطاقة استيعابية مستهدفة تصل إلى 44 مليون طن سنويا بحلول عام 2035. هذا المركز لن يخدم منشآت الطاقة فحسب، بل سيوفر حلا بيئيا للمصانع الكيماوية والصناعية في المنطقة.

أما في جانب الاستخدام، فالمملكة رائدة في تحويل هذا «النفايات» إلى قيمة. يتم استخدام الكربون المحتجز في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط (Enhanced Oil Recovery - EOR)، حيث يحقن في الآبار لزيادة الإنتاج مع تخزين الكربون في الوقت ذاته، مما يحقق فائدة مزدوجة: بيئية واقتصادية. كما يتم استخدامه كمادة خام في صناعة الكيماويات والأسمدة والوقود الاصطناعي. هذا التحول يحول الكربون من عبء بيئي إلى سلعة صناعية، ويدعم تنافسية الصناعات السعودية في الأسواق العالمية التي تفرض قيودا صارمة على البصمة الكربونية. إن تبني المملكة لتقنيات CCUS وتطويرها ليس مجرد استثمار في البيئة، بل هو تأمين لمستقبل صناعتنا النفطية والبتروكيماوية لعقود قادمة، وإثبات للعالم أن الحلول المناخية الفعالة تأتي من خلال التكنولوجيا والابتكار، وليس فقط من خلال الشعارات.