الموظف كائن حي يتأثر بفصل الشتاء
الخميس / 5 / رجب / 1447 هـ - 04:12 - الخميس 25 ديسمبر 2025 04:12
أنا أحاول هنا أن أبدأ بمفاهيم بسيطة حتى لو تحدثنا عن حقيقة الإنسان ومعرفته بالعمل، لعلنا نصل إلى قناعات تساعدنا مع المسؤولين عن الموارد البشرية وأماكن العمل في الإحساس أكثر بهذا الموظف وطبيعته البشرية، وأيضا إعطائه مساحة أرحب لحياته الشخصية والاجتماعية لضمان توازنه النفسي واستقراره اليومي، وبالتالي يساعد على تحقيق مستويات جيدة وثابتة مهنيا وإنتاجيا ينعكس بشكل إيجابي على بيئات العمل والمهام المنوطة بهم.ومن الجيد أن ننطلق من حقيقة بسيطة لكنها مطلقة: أن الإنسان كائن حي، شأنه شأن بقية المخلوقات على سطح الكرة الأرضية، وبالتالي من الطبيعي أنه يتأثر بالمناخ والطقس وتقلباته، وفي مقدمتها فصل الشتاء الذي يغير مستوى الطاقة والهرمونات والإيقاع الحيوي للجسم، ومع انخفاض درجات الحرارة وقلة التعرض لضوء الشمس، تتشكل مجموعة من التأثيرات العلمية التي تنعكس على السلوك المهني ومستويات الإنتاج لديه وتفاعله داخل بيئات العمل.ومع دخول فصل الشتاء كل عام، تعود الأسئلة نفسها للواجهة، والتي طالما تجاهلتها الكثير من الإدارات: لماذا يتباطأ بعض الموظفين في فصل الشتاء؟ ولماذا يشعر آخرون بانخفاض الطاقة والتركيز أو صعوبة في الاستيقاظ، رغم ثبات ساعات الدوام والمهام؟الإجابة العلمية واضحة: الموظف كائن حي يتفاعل مع المناخ والطقس ويتأثر كبقية المخلوقات، وليس «كمبيوتر» أو آلة تعمل بإيقاع واحد طوال العام.نحن اليوم أمام واقع لا يمكن تجاهله: فالكثير من إدارات الموارد البشرية والمسؤولين ما يزالون غير مستعدين للاعتراف بتأثير فصل الشتاء على الموظف، الأمر الذي ينعكس في غياب الحلول المرنة التي كان يمكن أن تحافظ على استقرار الأداء والإنتاجية، وتحد من ذلك التراجع الموسمي الذي تثبته الأبحاث.الدراسات الحديثة في مجالات الصحة النفسية والإيقاع البيولوجي أكدت أن فصل الشتاء يفرض تحديات حقيقية على الموظفين، إذ يرتبط انخفاض درجات الحرارة وفترة ضوء الشمس بارتفاع أعراض الاكتئاب الموسمي واضطرابات النوم وتراجع مستويات الطاقة والتركيز، وبالتالي ينخفض النشاط ويزداد الإرهاق الذهني. كما تشير هذه الأدلة العلمية إلى أن تأثير الشتاء ليس متساويا بين الموظفين، بل يتفاوت تبعا لعوامل بيئية وصحية وسلوكية، مما يعزز الحاجة لتبني سياسات عمل مرنة تراعي هذه التغيرات الطبيعية، مثل ساعات العمل المرنة، وإتاحة العمل عن بعد في الفترات الحرجة.ولا نستطيع أن نتجاهل التحديات المرورية التي تلتهم الكثير من أوقات الإنسان وعمره، وغياب مبادرات تحسين الرضا الوظيفي وبيئات العمل، وشح الحوافز، إضافة إلى الضغوطات الأسرية والمادية التي تتزايد مع تقدم الموظف في مساره الوظيفي.. كل ذلك يراكم الأعباء على الموظف ويقلص من طاقته الإنتاجية، في وقت تتطلب فيه المرحلة رؤية أكثر مرونة وإنسانية توازن بين احتياجات العمل وواقع الحياة اليومية.إن التوسع في ممارسات العمل المرن لم يعد رفاهية، بل ضرورة مدعومة بالعلم لضمان استقرار أداء الموظف والحفاظ على صحته النفسية والجسدية خلال أشهر الشتاء.3OMRAL3MRI@