أيها الموظف: الإدارة ستغلق نهائيا «دبر نفسك!»
الأربعاء / 19 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 23:18 - الأربعاء 10 ديسمبر 2025 23:18
مشهد مربك ومقلق بشكل كبير ويتكرر في بيئات العمل، وخاصة عند تعيين مسؤولين جدد في هذه الدائرة أو ذاك القطاع؛ فانتظر مثل هذه التعديلات الإدارية الكبيرة من إغلاق أو دمج أو فصل أو إعادة هيكلة مهام أو مسؤوليات أو حتى إدارات، قرارات مفاجئة تقلب واقع الموظف رأسا على عقب، تغلق إدارة قائمة منذ سنوات، وتدمج مهامها في إدارة أخرى، دون تقديم مبررات مهنية، ودون إشراك الموظفين أو حتى إبلاغهم بطريقة محترمة، قرار يشير إما إلى عدم نضج إداري، أو تأثر بمواقف شخصية داخل هذه المنظومة، أو استشارات تنظيمية خاطئة، أو - وهو الأخطر - نتيجة غياب المساءلة وضعف النقد البناء الذي أصبح عملة نادرة في بيئتنا الوظيفية، مما يسمح للمسؤول بذاتية القرارات دون مراجعة للتأكد من جدواها.الدراسات الحديثة في إدارة الموارد البشرية تؤكد أن القرارات المباغتة بإعادة الهيكلة تخلق أعلى مستويات القلق الوظيفي، وتضعف الانتماء، وتؤدي إلى تراجع الأداء بنسبة قد تتجاوز 25% وقد تزيد خلال الأشهر الأولى. كما تشير الدراسات إلى أن غياب الشفافية في الدمج أو الإغلاق يعد من أكثر العوامل التي تدفع الموظفين نحو فقدان الثقة بالقيادة والشعور بعدم التقدير.وسط هذا المشهد المضطرب، قد تغيب المهنية، وقد تكون الرسالة صراحة أو ضمنيا للموظف «إدارتك انتهت.. دبر نفسك!» لتضع الموظف في موقف لا يحسد عليه.لكن المفارقة المؤلمة تظهر بعد أشهر قليلة فقط؛ إذ تتفاجأ في بعض الحالات بأن الإدارة نفسها التي أغلقت قد أعيد استحداثها من جديد، ولكن تحت إشراف مباشر من المسؤول الأول أو نائبه، وبصلاحيات موسعة، وبميزانيات ودعم إداري غير مسبوق.وهنا تنشأ مقارنات لا يمكن تجاهلها: لماذا كانت الإدارة غير مجدية بالأمس، لكنها أصبحت مشروعا استراتيجيا اليوم؟ لماذا حمل الموظفون مسؤولية التخبط الإداري، ولماذا سجلت إنجازا جديدا لهذا المسؤول رغم أنها كانت موجودة سابقا؟ ولماذا يعاد بناء ما هدم دون أي توضيح أو تقييم أو اعتذار؟ ولماذا تم تجاهل الموظفين السابقين أصحاب الخبرات المتراكمة وجلب موظفين آخرين قد يحتاجون إلى وقت لإدارة هذا العمل؟ كلها أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابة.بينت الدراسات الحديثة أيضا أن إعادة توزيع المهام بعد الدمج قد تخفض الرضا الوظيفي إذا لم تراع قدرات الموظفين وهويتهم المهنية، وفي المقابل، أشارت بعض الأبحاث إلى أن التغيير يمكن أن يحقق نتائج إيجابية حين يكون مبنيا على تخطيط واضح، ودعم إداري، ومشاركة حقيقية للعاملين، مما يحافظ على استقرار الأداء ويخفف من آثار التحول المؤسسي، وتخلص إلى أن نجاح الهيكلة لا يتوقف على القرار ذاته، بل على كيفية إدارة التغيير، ومدى احترام المؤسسة للعنصر البشري خلال هذه المرحلة الحساسة.إن إعادة الهيكلة الناجحة لا تقاس بتغيير اللوحات والأسماء، بل تقاس بالشفافية، وتقدير رأس المال البشري، وإدارة التغيير بشكل احترافي. أما إعادة الهيكلة المبنية على ردود الأفعال أو الرغبات الفردية، فهي غالبا ما تنتج بيئة عمل محبطة، وإنتاجية غير مستقرة، وولاء وظيفيا هشا.إن دمج الإدارات قد يكون خطوة تطويرية مهمة، لكن المشكلة ليست في الدمج نفسه أو الفصل، بل في الطريقة.. في غياب التخطيط، وغياب التفسير، وغياب احترام مشاعر الموظف الذي يجد نفسه دائما آخر من يعلم، وأول من يدفع ثمن القرارات المرتجلة.المشكلة ليست في وجود قرارات صعبة؛ فكل مؤسسة قد تمر بمرحلة تتطلب إجراءات حازمة، المشكلة تكمن في كيفية إدارة هذه القرارات، وهل تحترم إنسانية الموظف، أم يترك يواجه مصيره وحده تحت عبارة: «دبر نفسك!»الإدارة الرشيدة لا تخبئ قراراتها، ولا تفاجئ موظفيها، ولا تتخلى عنهم عند أول منعطف، بل توفر المعلومات، وتدعم التكيف، وتمنح الموظف ما يستحقه من وضوح وتقدير.3OMRAL3MRI@