الرأي

الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية، وقصة نجاح تجاوزت مئتي عام من الزمان

غزل اليزيدي
احتفلت الولايات المتحده الأمريكية في الرابع من يوليو الماضي بالذكرى التاسعة والأربعين بعد المئتين لاستقلالها، في هذه الذكرى يتم الاحتفال باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، حيث أعلن الكونجرس الأمريكي بتاريخ الرابع من يوليو لعام 1776 عن استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن الإمبراطورية البريطانية، وفي عام 1783، وبعد إبرام معاهدة باريس، تم الإعلان رسميا عن انتهاء حرب الاستقلال الأمريكية واستقلال جميع المستعمرات الثلاث عشر، ولم تعد تتبع لبريطانيا، هذا الاستقلال كان نتيجة جهود عديدة، من ضمنها، جهود مجموعة من السياسيين الأمريكيين الذين عرفوا لاحقا بالآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، وواضعي نهج وأساسيات دستورها.معاهدة باريس، سميت بهذا الاسم نسبة للعاصمة الفرنسية، والتي حدثت المعاهدة على أراضيها عام 1783، بين طرفي النزاع وهما كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك بهدف إنهاء الحرب على الأراضي الأمريكية والمستمرة منذ سنوات ضد الاستعمار البريطاني. كان من نتائج نجاح المعاهدة إنهاء الحرب بين الطرفين وإنهاء الاستعمار البريطاني، تحديد الحدود الجغرافية للولايات المتحدة، بالإضافة لقوانين تشمل أسرى الحرب بين الطرفين وإعادة كل ما استحوذت عليه بريطانيا من الأراضي الأمريكية، الجدير بالذكر أن من بين كل البنود التي تم التوقيع عليها هنالك بند واحد فقط ما يزال يطبق للآن، وهو البند الأول بالاتفاقية وينص على استقلالية الولايات المتحدة الأمريكية.الآباء المؤسسون للولايات المتحدة هم مجموعة من السياسيين الذين عملوا بجهد لتوحيد المستعمرات البريطانية الثلاث عشر، وهي جورجيا، فرجينيا، نيويورك، رود آيلاند، كونيتيكت، ديلاوير، ماريلاند، نيوجيرسي، بنسلفانيا، كارولينا الشمالية، كارولاينا الجنوبية ماساتشوستس، ونيو هامبشاير، كما شاركوا في معارك الاستقلال والتي استمرت لثمانية أعوام، وكان نتيجة جهودهم الحثيثة أن نجحوا بالاستقلال عن بريطانيا، كما وأسهموا بعد ذلك في كتابة دستور الولايات المتحدة والذي يطبق للآن.كان أول استخدام لمصطلح «الآباء المؤسسون» في القرن العشرين، وكان وارن هاردينج هو من صاغ هذا المصطلح عام 1916. يشار إلى أن المؤرخين اتفقوا على أن مسمى «الآباء المؤسسون» يطلق على أهم وأوائل السياسيين الأمريكيين الذين شاركوا في معارك الاستقلال وكتابة الدستور وتشكيل الحكومة الأولى في تاريخ البلاد، واتفق أغلبهم أن هذا المصطلح ينطبق على سبع شخصيات فقط، وهم جورج واشنطن، جيمس ماديسون، بنجامين فرانكلين، جون جاي، جون آدمز، ألكساندر هاميلتون، وتوماس جيفرسون، حيث تم تنصيب أربعة من هؤلاء المؤسسين في منصب الرئيس الأمريكي وهم واشنطن، وآدمز، وجيفرسون، وماديسون، وعين هاملتون كأول وزير للخزانة، كما تم تعيين جاي كأول رئيس للقضاة، وساهم في صياغة عدد من القوانين، أما فرانكلين فكان رئيس ولاية بنسلفانيا ومن أهم الشخصيات الدبلوماسية.كثيرا ما يتم تداول مصطلح «الآباء المؤسسون» على نطاق يشمل جميع السياسيين الموقعين على وثيقة إعلان الاستقلال، الجدير بالذكر أن أربعة من الآباء المؤسسين السبعة لم يكونوا ضمن قائمة الموقعين وهم جورج واشنطن، جون جاي، ألكساندر هاميلتون، وجيمس ماديسون، تجدر الإشارة إلى أنه يتم الاعتقاد، خطأ، بأن مصطلحي المؤسسين والمؤطرين يرمزان للمعنى نفسه، حيث يعرف المؤطرون بأنهم الست وخمسون سياسيا الذين عينوا كمندوبين في المؤتمر الدستوري لعام 1787 بهدف تشكيل وصياغة مقترح الدستور الأول للدولة الجديدة، بكلمات أخرى، يعنى بمصطلح المؤطرين بأنهم من وضعوا بنود الدستور وقوانينه في «إطار» يوضح تفاصيل تشريعاته، من المهم معرفة أن تسعا وثلاثين مندوبا من المؤطرين فقط كانوا متواجدين للتوقيع على الدستور، أي أن التوقيع على مقترح الدستور لا يشمل كل السياسيين الذين شاركوا في صياغته.يعد الدستور الأمريكي أحد أقدم التشريعات المكتوبة والذي ما يزال يطبق منذ صياغته عام 1787 أي منذ أكثر من مئتين عام، بالرغم من أن إعلان الدستور كان بتاريخ الرابع من يوليو إلا أن التوقيع عليه كان في السابع من أغسطس للعام نفسه، واشتمل على المبادئ التأسيسية لنشأة الولايات المتحدة وبدء دورها كدولة جديدة مستقلة، كما وتمت الاستعانة به لاحقا كنموذج من قبل أكثر من مئة دولة لكتابة دستورها.يأتي الآباء المؤسسون، بالإضافة للموقعين على الدستور، من خلفيات ومهن مختلفة ولم يشغل جميعهم وظائف سياسية قبل الاستقلال، إلا أنهم يشتركون في نشأتهم في بية مثقفة وتلقوا تعليما جيدا، أيضا، فقد انضم أغلبهم للجيش وشاركوا في معارك الاستقلال. بالرغم من محاربة الآباء المؤسسين، وكل من شارك في صياغة الدستور، لاستعمار الإمبراطورية البريطانية، إلا أن نسبة كبيرة منهم من أصول بريطانية وأبناء مهاجرين بريطانيين وولدوا في المستعمرات البريطانية على الأراضي الأمريكية.من جهة أخرى، وعند الحديث عن الآباء المؤسسين، وجهودهم في استقلال الولايات المتحدة وبدء دورها كدولة ناشئة، فلا بد من الإشارة لجهود «الأمهات المؤسسات» واللاتي كان لجهودهن دعم لا يستهان به في المساهمة بتحقيق الاستقلال، من بين هذه الأسماء يتبادر للذهن اسم ابيغيل آدامز، زوجة جون آدامز، أحد الآباء المؤسسين، وساعدته قبل الاستقلال كمستشارة وداعمة له، أما بعد تعيينه كثاني الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، فقد ساهم دورها كسيدة أولى لفترتين رئاسيتين في دعم مواقفها والقضايا التي تبنتها للنهوض بالدولة الجديدة، كما ساهمت كمستشارة لابنها جون كوينسي آدامز، الرئيس السادس في تاريخ البلاد، في دعم أهم القضايا المجتمعية، كما تعتبر إحدى السيدتين الأوليين في التاريخ الأمريكي، والتي كانت زوجة رئيس ووالدة رئيس، كان يطلق عليها أحيانا لقب «السيدة الرئيس» نتيجة لدورها الفعال في دعم قضايا البلاد ونشاطاتها المجتمعية.ختاما، تم إنشاء لجنة مختصة في الكونجرس عام 2016 مهمتها الاستعداد لاحتفالات العام القادم بالذكرى الخمسين بعد المئتين للاستقلال، تختص بتنفيذ فعاليات وبرامج عن الاستقلال وعروض للمعالم التاريخية وأشهر الأماكن التي كانت شاهدة على الجهود التي بذلها الآباء المؤسسون في سبيل نيل الاستقلال. g_alyazidi@