السعودية تعيد دمشق إلى العالم
الأربعاء / 19 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 09:18 - الأربعاء 10 ديسمبر 2025 09:18
بعد عام حاسم شهد سقوط نظام بشار الأسد عقب أربعة عشر عاما من الحرب الدموية، تقف سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. مشهد لم يكن يتخيله أحد قبل عام، إذ كان الشرع مطلوبا للولايات المتحدة، ليصبح لاحقا ضيفا في البيت الأبيض، يتلقى رسالة من الرئيس الأمريكي تصفه بأنه 'قائد عظيم'.فماذا حدث لسوريا؟! في هذا العام وما الدور السعودي فيها؟برزت المملكة العربية السعودية كلاعب رئيسي في إعادة إدماج سوريا إقليميا ودوليا، عبر مسارات متوازية.الدبلوماسية: قادت الرياض حملة واسعة لرفع العقوبات الدولية، ورتبت لقاء الشرع الأول مع ترامب في الرياض، وأعادت سوريا إلى الجامعة العربية، كما لعبت دور الوسيط بين القوى الكبرى، لدعم إعادة الإعمار.الدعم الاقتصادي والإنمائي: استثمارات أولية تجاوزت 800 مليون دولار في الطرق والكهرباء ومجالات أخرى لتصل إلى لأكثر من 6 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة، وفتحت السعودية أسواقها أمام المنتجات السورية على مختلف أنواعها بتسهيلات وإعفاءات جمركية كبيرة، وتقديم خطوط ائتمان للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.الدعم الإنساني والمجتمعي: الهلال الأحمر ومركز الملك سلمان قدما الغذاء والدواء، وأعادا تأهيل عدد من المستشفيات، وأجرى الأطباء السعوديون المتطوعين مئات العمليات الجراحية من زراعة القوقعة لعلاج الأورام، كما مولت الرياض برامج إيواء للنازحين، وأعطت منحا دراسية للطلاب السوريين في مختلف المراحل الدراسية.الأمن ومكافحة التطرف: قامت السعودية بإعداد برامج تدريبية لقوى الأمن الداخلي الجديدة، ودعمت إعادة تأهيل المنضمين للجيش الجديد بالتعاون مع خبراء مختصين.واليوم وفي سوريا الجديدة وبعد مرور عام على التغيير بدأت الأسواق والمدارس بالعودة للعمل، وبدا عشرات الآلاف من اللاجئين رحلة العودة، وأصبحت مؤسسات الدولة تبنى على أسس جديدة بمشاركة مختلف الأطياف دون إقصاء إلا لمن تلطخت أياديهم بالدماء، وتحسن الأمن في أغلب أرجاء البلاد.بدأ الإعلام العربي، خصوصا السعودي، في المساهمة في إعادة تقديم صورة سوريا كدولة أمل لا حرب.رغم الإنجازات في العام المنصرم، فإن سوريا الجديدة تواجه ملفات معقدة وأهمها الاقتصاد المنهار، بتضخم يقترب من 300%، وبطالة تقارب النصف، وحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار.ثاني تلك الملفات هو المصالحة الوطنية، حيث إن ملف المفقودين والمعتقلين ومحاسبة الجرائم والتأخر في العدالة الانتقالية يهدد أي تسوية سياسية.ثالث تلك الملفات هو تشرذم السلطة، فوجود ميليشيات ومناطق نفوذ متنازع عليها مثل السويداء والحسكة وأجزاء من دير الزور والرقة يقوض سلطة الدولة ويمثل تحديا لها.رابع تلك الملفات هو الضغوط الدولية، فالعقوبات الدولية مستمرة ولو بشكل جزئي إضافة لشروط قاسية من المؤسسات المالية الدولية، فسوريا لا تزال دولة عالية المخاطر حسب نظرها، إضافة لصراع النفوذ مع إيران وروسيا اللتين تكافحان لإبقاء تواجدهما هناك بأشكال مختلفة.خامس تلك الملفات هو معالجة الشرخ المجتمعي، فملايين السوريين بحاجة إلى لدعم نفسي واجتماعي، وأزمة هوية وطنية تتطلب صياغة عقد اجتماعي جديد بعد مئات الآلاف من الشهداء وربع مليون مفقود و14 مليون مهجر.ختاما فقد منحت السعودية سوريا الجديدة غطاء إقليميا ومشروعية عربية، وفتحت لها نافذة أمل اقتصادية، فأي إخفاق في تحسين حياة المواطن أو انتكاسة أمنية قد يعيدان العزلة الدولية ويفجران الوضع في البلاد، وهنا يبقى نجاح التجربة مرهونا بقدرة القيادة السورية على تحويل الدعم الخارجي إلى استقرار داخلي ملموس، وباستعداد المجتمع الدولي لتبني رؤية أكثر مرونة.الذكرى الأولى لسقوط النظام ليست مجرد محطة رمزية، بل بداية لمسار طويل نحو بناء سوريا جديدة، فالدور السعودي كان قاطرة هذا التحول، من ساحة حرب إلى ساحة أمل، ومن دولة معزولة إلى عضو فاعل في المجتمع الدولي.لكن الطريق يبقى محفوفا بالمخاطر، ويظل نجاح التجربة رهينا بقدرة السوريين على تجاوز جراح الماضي وصياغة هوية وطنية جامعة، بدعم عربي ودولي مستمر.