الرأي

شركات الاتصالات وتلفون إيلون ماسك

شاهر النهاري
منذ بدايات عصر الاتصالات الحديثة، ظل المستخدم السعودي الطرف الأضعف في معادلات مائلة تقودها وتتحكم بها شركات ضخمة تتعامل مع خدمات الاتصالات الأساسية بوصفها امتيازات وحقوقا لها.فمنذ أيام الهاتف الدوار، ثم جهاز البيجر، الذي وصلنا متأخرا وبتكلفة ومصاريف، ثم الثريا، بتأخر عما يحدث في دول العالم المتحضر، ومرورا بدخول الهاتف النقال بأسعار صادمة، عاش المستهلك سلسلة طويلة من التجارب، التي تؤكد أن الربحية كانت دائما هي البوصلة الوحيدة لهذه الشركات.يكفي أن نتذكر كيف بدأ الخط الجوال الواحد بمبلغ عشرة آلاف، وكيف كانت الحزم والخدمات تطرح على أنها سلع ندرة لا مثيل لها، بينما كانت دول أخرى توفرها بأسرع وأرخص السبل وأكثرها تطورا دون ضغط ولا امتنان.شركات الاتصالات العاملة في السعودية، بمرور الوقت تحولت إلى أكبر اللاعبين اقتصاديا، لا بفضل الابتكار ولا التصنيع، ولا بسبب تقديم قيمة مضافة حقيقية للمستخدم، بل عبر نموذج مالي استهلاكي قائم على الضغط المستمر على ميزانية المواطن.لكل خدمة ثمن، ولكل تحديث ولكل جهاز تكلفة أكثر من غيرنا، ولكل خطوة صغيرة رسوم تفرض وكأنها منة.ومع ذلك، ما إن يدفع المستخدم ثمن الخدمة حتى يجد نفسه تحت مطاردة مستمرة بدعايات وعروض إضافية تحاول الحصول على مبالغ أعلى، باقات أكبر، وخيارات تباع بوصفها مميزات، بينما هي في الحقيقة أدوات لتعظيم الفواتير.هذا النموذج التجاري الذي أثبت بوضوح أنه لا يضع راحة المستخدم ضمن أولوياته، يتصادم اليوم مع قفزة تكنولوجية جديدة عظيمة، بدخول هاتف إيلون ماسك للخدمة، ببطاريات لا تشحن، وتقنية قادرة على الاتصال مباشرة عبر الأقمار الصناعية دون أي حاجة لتغطية شركات الاتصالات التقليدية.وزد على ذلك أن الخدمة ستكون مفتوحة عالميا، وبتكلفة أقل، ودون حاجة لوسيط يرفع الأسعار أو يحتكر الباقات والأجهزة، أو يؤخر الخدمات، فكيف ستتعامل شركات الاتصالات المحلية مع ذلك التهديد لربحيتهم؟شركات، بنت ثرواتها على الاحتكار العملي، لن ترضى أن يفلت المستخدم من قبضتها!وربما تلتف، لتكون وسيطا جديدا يرفع الأسعار ويعيد إنتاج دائرة الاحتكار القديمة والاستغلال نفسها!المنطق يقول إن المستخدم لا يجب أن يدخل هذا الصراع وحده.وهنا تأتي أهمية وجود ودور هيئة الاتصالات بمسؤولياتها التنظيمية لحماية المستهلك.التدخل الحكومي ليس مجرد خيار، بل ضرورة لضمان ألا يتحول المستقبل الرقمي إلى ساحة جديدة لتكرار أخطاء حراج الماضي.وكم نتأمل من الهيئة تولي القيادة ووضع أنظمة واضحة ملزمة، تمنع الاحتكار، وتضمن وصول الخدمة المتطورة بآخر تحديثاتها للمستخدم دون تأخير ودون سلسلة السمسرة، التي أنهكت الناس في السابق.لقد تعب المواطن من التجارب الطويلة المتراكبة ينفي بعضها بعضا، ومن تقنين الخدمات وتأخيرها، ومن أثمان الأجهزة والخطوط والانترنت والألياف والفواتير المبالغ فيها.ومن حق المستخدم أن يحصل على خدمة حديثة وسلسة وسريعة ورخيصة منذ اللحظة الأولى، تماما كما يحصل عليها المستخدم في الدول المتقدمة، لا أكثر ولا أقل.نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تشكيل العلاقة بين الشركات والمستخدم فاقد الحيلة، ودون أن نكرر أخطاء الماضي، واثقين بأن رؤيتنا تحملنا لمستقبل أوضح، وأكثر تحضرا وإنصافا.shaheralnahari@