منذ سنوات طويلة، كانت الإعلانات الخارجية (اللوحات الطرقية) مجرد صور جامدة... ثابتة في مكانها، لا تتغير ولا تتفاعل مع أحد. لكن ما نراه اليوم في المدن الحديثة مختلف تماما: لوحات رقمية، تفاعلية، تدار بالبيانات، وتباع عبر منصات برمجية مثلما تباع الإعلانات على الإنترنت.نحن نعيش بداية تحول جذري في قطاع الإعلان الخارجي، تحول سيجعل DOOH – Digital Out-of-Home أحد أهم قنوات الإعلان في السعودية خلال السنوات القادمة.لكن هذا التحول لا يحتاج تقنية فقط... بل يحتاج حوكمة واضحة تضبط السوق وتحمي الجمهور والمعلنين والمستثمرين.من لوحة جامدة إلى شاشة ذكيةاللوحة الإعلانية لم تعد مجرد مساحة، بل أصبحت:

• تشترى وتباع آليا عير منصات خاصة تسمى DSP.
• تتغير في لحظتها بناء على الوقت والازدحام والموقع.
• تتزامن مع إعلانات الهاتف والمواقع في حملة واحدة.
• تقيس الجمهور عبر الذكاء الاصطناعي
• تدار بالكامل بالبيانات.

هذه ليست إعلانات... هذه بنية تحتية رقمية على مستوى المدينة.السعودية والإعلان الذكيرؤية 2030 قادت تحولات هائلة في قطاع المدن الذكية، ومع كل هذا التحول، يظهر سؤال مهم: من يحكم الإعلانات الخارجية الذكية؟ فالسوق اليوم يشهد: توسع الشركات في تركيب الشاشات مع دخول المستثمرين الدوليين وفتح المجال للشراء البرمجي Programmatic DOOH وتشابك بين DOOH وCTV والهاتف. هذا النمو الهائل يحتاج نظاما حوكميا يحفظ التوازن بين الجمهور والشركات والمعلنين والجهات التنظيمية.لماذا نحتاج حوكمة في قطاع الإعلان الخارجي DOOH؟لأن الإعلان الخارجي الذكي يتعامل مع:

1. البيانات: حتى لو كانت بيانات مجهولة الهوية، فوجود كاميرات وتحليلات حركة يتطلب معايير واضحة للخصوصية.
2. منافسة المواقع: من يملك الحق في تركيب شاشة في مكان معين؟ وكيف نمنع الاحتكار غير المباشر؟
3. تسعير CPM: حين يصبح DOOH برمجيا، تحتاج السوق إلى شفافية حقيقية في الأسعار، تماما كما في الإعلانات الرقمية.
4. سلامة المحتوى: من يحدد ما يمكن عرضه في أماكن عامة؟ خصوصا في بلد يحترم قيمه وثقافته مثل السعودية.
5. الربط مع الجهات الحكومية: الإعلانات الخارجية جزء من “مشهد المدينة” City Identity وليس مجرد إعلان.

كل هذا يجعل DOOH قطاعا يحتاج حوكمة متقدمة للغاية.من ينظم هذا القطاع؟في التجارب العالمية، تنظيم DOOH تشارك فيه عدة جهات : البلديات - الجهات المسؤولة عن الطرق والمواصلات - هيئات الإعلام - الجهات التقنية - مشغلو المدن الذكية - الشركات المالكة للشاشات - وفي السعودية، من المتوقع أن تلعب: وزارة الإعلام – البلديات - هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) أدوارا متشابكة في 'تنظيم الإعلانات الخارجية الذكية'.الخلاصة: الإعلانات الخارجية تتغير... والمستقبل ليس للوحة جميلة، بل لشاشة ذكية محكومة جيدا.الحوكمة هي الفرق بين: فوضى شاشات منتشرة بلا قيمة، وبين بنية إعلانية وطنية ذكية ترفع جودة المدينة وتحفز النمو الاقتصادي. والسعودية - بما فيها من تحول رقمي هائل - تملك اليوم فرصة لقيادة هذا القطاع إقليميا، إذا بني على حوكمة واضحة، وتشريعات ذكية، ومبادرات مؤسسية قوية.hatimbarajjash@