الرأي

الشاحنات ذاتية القيادة: من طرق تكساس إلى طرق المملكة... متى يصل المستقبل؟

وليد سعد الشهري
في العقد الأخير، لم تعد الشاحنات مجرد مركبات ضخمة تجوب الطرق السريعة لنقل البضائع، بل تحولت إلى منصات ذكية تتحكم فيها الخوارزميات ويقودها الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار المتطورة.من تكساس في الولايات المتحدة، حيث تسير الشاحنات ذاتية القيادة آلاف الكيلومترات يوميا، إلى الصين وأوروبا التي بدأت تجارب واسعة، يتشكل مشهد جديد للنقل البري العالمي.والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: متى سنرى هذه التقنية تعبر طرق المملكة وتصبح جزءا من منظومتها اللوجستية الحديثة؟الشاحنات ذاتية القيادة هي مركبات مزودة بأنظمة رؤية حاسوبية، رادارات، وكاميرات متطورة، تدعمها منصات الذكاء الاصطناعي للتحكم والتوجيه. أبرز مزاياها:
  • تقليل الحوادث المرورية، إذ تتحمل الشاحنات تقليديا نحو 8% من إجمالي الحوادث عالميا.
  • خفض استهلاك الوقود والانبعاثات بنسبة تصل إلى 15% بفضل القيادة المثالية.
  • العمل لساعات طويلة بلا توقف، ما يضاعف الإنتاجية ويقلل زمن التسليم.
  • خفض التكاليف التشغيلية للشركات على المدى الطويل.
من التجارب الدولية، الولايات المتحدة: تختبر شركات مثل Aurora وTuSimple الشاحنات ذاتية القيادة في ولايات مثل تكساس وأريزونا، وقد قطعت بالفعل أكثر من 5 ملايين كيلومتر تجريبي. والصين: بدأت شركات مثل Pony.ai وInceptio في تشغيل قوافل من الشاحنات ذاتية لنقل البضائع بين مدن كبرى. وأوروبا: تعمل مبادرات مثل Platooning على ربط شاحنات في قوافل رقمية لتقليل استهلاك الوقود والانبعاثات.تشير الدراسات إلى أن سوق الشاحنات ذاتية القيادة قد يتجاوز 55 مليار دولار عالميا بحلول 2035، ما يعكس حجم التحول المنتظر في سلاسل الإمداد.السعودية بين الفرصة والتحدي، تملك المملكة مقومات استثنائية تجعلها مؤهلة لتكون رائدة في هذا المجال:
  • شبكة طرق سريعة تمتد لأكثر من 75 ألف كيلومتر تربط الموانئ بالمدن الصناعية.
  • مشاريع كبرى مثل اللاندبريدج وأوكسيجين نيوم ستحتاج إلى شاحنات ذكية لدعم تدفقات البضائع بكفاءة.
  • استثمارات ضخمة في البنية الرقمية ضمن برنامج التحول الوطني (NTP).
لكن التحديات لا تقل أهمية:
  • الحاجة إلى تشريعات مرنة وواضحة لضمان السلامة.
  • تجهيز الطرق بحساسات، إنترنت الأشياء، ومحطات شحن كهربائية.
  • تدريب كوادر وطنية قادرة على تشغيل وصيانة هذه التكنولوجيا.
رؤية 2030 وبرامجها الداعمة
  • الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية: جعل الابتكار والتحول الرقمي قلب القطاع.
  • برنامج تنمية القدرات البشرية: إعداد جيل من الخبراء في تقنيات النقل الذكي.
  • مبادرة السعودية الخضراء: دعم تبني الشاحنات الكهربائية الذاتية لخفض الانبعاثات.
  • NIDLP – برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية: تعزيز تبني الحلول الرقمية في سلاسل الإمداد.
ويقول أحد الخبراء المحليين «تبني الشاحنات ذاتية القيادة في المملكة لن يقلل التكاليف فحسب، بل سيجعل المملكة في موقع ريادي على خريطة النقل العالمي».ومن المكاسب الاستراتيجية، اقتصادية: تقليل التكاليف التشغيلية للشركات وزيادة التنافسية. وتشغيلية: مضاعفة الإنتاجية وتقليل زمن التسليم. وبيئية: خفض الانبعاثات عبر القيادة المثالية والشاحنات الكهربائية. ومستقبلية: جعل المملكة منصة إقليمية لتجارب واعتماد هذه التقنية.الشاحنات ذاتية القيادة ليست مجرد تقنية جديدة، بل قفزة استراتيجية ستعيد تشكيل قطاع النقل البري وسلاسل الإمداد عالميا. ومع ما تملكه المملكة من مقومات، تبدو مهيأة لأن تكون أول دولة في المنطقة تتبنى هذه التقنية على نطاق واسع. وصولها إلى طرق المملكة ليس مسألة هل؟ بل متى؟ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: إذا كانت الشاحنات ذاتية القيادة تجسد مستقبل النقل البري، فما الذي يمكن أن تحققه الموانئ الذكية في البحر الأحمر والاتجاهات العالمية القادمة لتحقيق التكامل الكامل في اللوجستيات؟ هذا ما سنناقشه في المقال القادم.