الرأي

دعوة لحماية الذات من فخ الكمال

ياسر عمر سندي
بين الواقع والطموح: كيف نحمي ذواتنا من فخ الكمال وابتزاز التوقعات؟من خلال هذا التساؤل نستشعر معاناة البعض وحالهم من الارتباك النفسي والجسدي بفعل تسارع الإيقاع اليومي وتضخم التوقعات المرتبطة بالمستقبل.فالرغبة الفطرية في النجاح والتفوق قد تتحول إلى عبء ثقيل عندما تمتزج بميل مفرط نحو الكمال أو بالسعي المستمر لإرضاء الآخرين الأمر الذي قد يؤدي بصاحبه إلى الاحتراق النفسي بسبب ذلك الاستهلاك المؤدي للإنهاك.يشير المختصون بمجال الدراسات النفسية إلى أن الإخفاق في إيجاد التوازن بين الواقعية والطموح يمثل أحد أبرز الضغوط النفسية الراهنة.وأرى أن هذه الإشارة البليغة للآية القرآنية الكريمة «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» شاهد بأن الخالق يعلم تركيبة الضعف الإنساني فلا يكلف المخلوق فوق طاقته رحمة به؛ فلماذا يكلف الإنسان نفسه ما يرهقها؟ وهنا نجد ضرورة تحقيق الاتزان للوصول إلى الأمان.يرى عالم النفس أبراهام ماسلو أن الطموح حاجة أساسية مرتبطة بتحقيق الذات، مع ضرورة تحقيق الانسجام بين القدرات الذاتية والظروف المواتية. فحين يصبح النجاح مرهونا بإرضاء الغير يتعاظم الجهد وتنخفض معه متعة الشعور الداخلي، مما يزعزع النفس. ولهذا اعتبر ماسلو أن الحاجة للتقدير الذاتي يجب أن تأتي أولا حتى لا يقع الفرد في نار الإرضاء الخارجي على حساب جنة الرضا الداخلي.فالإنسان يعيش أدوارا متعددة داخل مجتمعه، غير أن المبالغة في إتقان الأدوار تتحول أحيانا لاستجداء خفي يشحذ قبول الآخرين، مما يضعف حضور الذات الحقيقية خلف أقنعة اجتماعية مرهقة. ومع مرور الوقت يتلاشى الفاصل بين ما نريده فعلا وما نتوقع أن يريده المجتمع منا، فيحدث اضطراب الهوية وتتزايد معدلات التوتر والاكتئاب.أما التفكير الكمالي، يعتبر أحد أكثر مصادر الضغط النفسي انتشارا؛ إذ يقوم على معايير متعبة وسعي دائم لتحقيق أداء مثالي، وهو ما يسمى بـ»قلق الإنجاز». ومع هذا السعي تتشكل معتقدات غير عقلانية مبنية على حديث النفس المتكرر بعبارات «يجب أن أكون محبوبا من الجميع» أو «لا ينبغي أن أخطئ»، وبين هذه وتلك تحضر الأفكار المولدة للقلق المستمر والنقد الذاتي المدمر.ويأخذ غياب التوازن بين الطموح والواقعية شكلا آخر لينعكس على دائرة العلاقات الإنسانية القريبة والبعيدة وبيئة العمل، ومجتمع الرفاق والصداقات، بسبب أن الشخص غير المتوازن غالبا ما يبث ضغطه الداخلي إلى محيطه، فيغدو إما ناقدا أو غير راض مثلما هو غير راض عن ذاته. ومع ارتفاع التوقعات المجتمعية داخل بيئات تقاس فيها القيمة بالمنجزات، تتشكل ضغوط غير واعية تدفع بالأفراد لسباق لا نهاية له لإثبات الذات.قال صلى الله عليه وسلم تصديقا لقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه «إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فاعط كل ذي حق حقه».ولتحقيق التوازن المنشود، يمكن الانطلاق من منهجية التبصر بالنفس وإدراك قيمتها كما قال جل وعلا «بل الإنسان على نفسه بصيرة» ونرسم معايير عملية صادقة تبدأ بالوعي الإيماني لتفعيل حدود الذات الواقعية، ومن ثم تبني مفهوم التقدم الحقيقي لا الاكتمال الزائف، ونقف جادين لفصل قيمة ذواتنا عن أحكام الآخرين، حتى نصل لبناء علاقة صحية مع الفشل بوصفه جزءا طبيعيا من النمو والتطور ومحاولة التعلم من أخطائنا واعتبارها منهجية لتخزين الخبرات، لندرك معها بأن الطموح قوة إيجابية داعمة حين يتم ضبطه وربطه بالواقعية البشرية التي فطرها الله على الخطأ والنقص، لنحمي ذواتنا من فخ الكمال الوهمي.Yos123Omar@