الرأي

‏DHL والمملكة.. استثمارات بمليارات تعكس ثقة العالم في البنية التحتية السعودية

وليد سعد الشهري


في زمن تتسارع فيه التجارة العالمية بشكل غير مسبوق، لم تعد القرارات الاستثمارية للشركات العملاقة تتخذ بعشوائية، بل تبنى على دراسات دقيقة تقيس الجغرافيا، البنية التحتية، والاستقرار السياسي والاقتصادي. وحين أعلنت DHL، الشركة الرائدة عالميا في الخدمات اللوجستية، عن ضخ استثمارات بمليارات الريالات في المملكة العربية السعودية، كان ذلك بمثابة شهادة ثقة دولية في جاهزية المملكة لتكون مركزا عالميا يربط ثلاث قارات، كما تطمح إليه رؤية السعودية 2030.

لماذا المملكة؟ المملكة ليست مجرد سوق استهلاكي يتجاوز تعداده 32 مليون نسمة، بل هي ممر استراتيجي تمر عبره نحو 13% من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر. ومع امتلاكها موانئ متطورة مثل ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبدالله، إلى جانب شبكة مطارات وطرق حديثة، تقدم بيئة مثالية لشركات مثل DHL الباحثة عن مركز إقليمي مرن وكفؤ لإدارة عملياتها في الشرق الأوسط وأفريقيا.

حجم الاستثمارات وتأثيرها

تشمل خطة DHL في المملكة:

- إنشاء وتوسعة مراكز توزيع وفرز في الرياض وجدة والدمام.

- ضخ استثمارات في مستودعات ذكية تعتمد على الروبوتات والأنظمة الرقمية.

- شراكات مع منصات التجارة الالكترونية السعودية لتسريع خدمات التوصيل.

- تطوير حلول الميل الأخير باستخدام مركبات كهربائية مستدامة.

تشير التقديرات إلى أن قيمة قطاع اللوجستيات في المملكة ستتجاوز 70 مليار دولار بحلول 2030، ما يجعل استثمار DHL جزءا محوريا من هذا النمو. والأهم، أن هذه الخطوة تدعم مستهدفات رؤية 2030 برفع مساهمة القطاع إلى 10% من الناتج المحلي، مع خلق آلاف الوظائف النوعية للشباب السعودي.

ثقة عالمية تتجاوز الحدود

‏DHL ليست وحدها. شركات مثل Maersk وUPS ضخت أيضا استثمارات كبرى في المملكة. لكن دخول DHL بهذا الحجم يرسل رسالة واضحة: السعودية لم تعد مجرد مستورد للخدمات، بل أصبحت منافسا عالميا قادرا على جذب وتوطين استثمارات نوعية تضاهي مراكز مثل دبي وسنغافورة، بل وتتفوق بفضل موقعها الجغرافي الفريد، وسوقها المحلي الضخم، وبنيتها التحتية الذكية.

استثمارات DHL تعكس انسجاما مع عدة برامج وطنية مرتبطة برؤية 2030:

- الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية: لتأكيد موقع المملكة كمركز عالمي.

- NIDLP - برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية: لجذب استثمارات عملاقة.

- NTP - برنامج التحول الوطني: الذي أسس بنية رقمية تدعم التشغيل الذكي.

- مبادرة السعودية الخضراء: التي تتكامل مع خطط DHL لاعتماد أساطيل كهربائية.

- برنامج التخصيص: الذي فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في الموانئ والمطارات.

ويقول أحد التنفيذيين في DHL «اختيار السعودية مركزا لاستثماراتنا لم يكن قرارا تجاريا فحسب، بل إيمان برؤية 2030 التي تعيد تشكيل مستقبل التجارة العالمية».

إذاً ما هي المكاسب الاستراتيجية للمملكة؟

اقتصادية: جذب استثمارات بمليارات الدولارات وزيادة الناتج المحلي.

تشغيلية: تسريع التجارة الالكترونية وخدمات التوصيل.

توظيفية: خلق وظائف نوعية للشباب السعودي.

منافسة عالمية: تعزيز مكانة المملكة أمام مراكز لوجستية كبرى.

استثمارات DHL ليست مجرد توسع أعمال، بل شهادة ثقة عالمية تؤكد أن المملكة أصبحت القلب النابض للتجارة الدولية. وبفضل رؤية 2030، تتحول السعودية من مستهلك للخدمات إلى مصدر للحلول اللوجستية، ومن لاعب إقليمي إلى شريك استراتيجي في صياغة مستقبل الصناعة عالميا.

ومع كل هذه الإنجازات، يبقى السؤال الاستراتيجي مطروحا: إذا كانت الاستثمارات الدولية تعكس ثقة العالم بالبنية التحتية السعودية، فكيف يمكن للتقنيات الناشئة مثل الشاحنات ذاتية القيادة أن تسرع من دمج هذه الثقة في سلاسل الإمداد محليا وعالميا؟ هذا ما سنناقشه في المقال القادم.