الرأي

جريمة إثارة الرأي العام

عبدالله قاسم العنزي


تزايدت في السنوات الأخيرة الظواهر المرتبطة بنشر محتويات تستهدف إثارة الرأي العام، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو الوسائط الرقمية المختلفة، الأمر الذي استدعى تدخل الجهات التنظيمية للدفاع عن استقرار المجتمع وصون النظام العام. وقد جاء بيان الهيئة العامة لتنظيم الإعلام بإحالة ستة أشخاص إلى النيابة العامة مثالا واضحا على جدية الدولة في مواجهة هذا النوع من الجرائم التي تتجاوز حرية التعبير إلى حدود الإضرار بالأمن والسلم الاجتماعيين.

أقول: إن جريمة إثارة الرأي العام ليست مجرد نشر رأي مخالف، ولا هي تعبير فردي عن موقف، بل هي سلوك ممنهج يقوم على نشر معلومات مضللة أو محتوى محرض يؤدي إلى خلق حالة من التوتر، أو بث الشائعات، أو التلاعب بمشاعر الناس، أو تهديد الثقة بالجهات الرسمية، أو التأثير على القرارات العامة بطرق غير مشروعة. ومن هنا فإن خطورتها لا تكمن في الكلمة نفسها، بل في الأثر الجماعي الذي تحدثه في مجتمع مترابط تعد فيه المعلومة جزءا من الأمن الوطني.

وقد وضع نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية إطارا عقابيا لهذه الجرائم، حيث نصت المادة السادسة - الفقرة الأولى - على تجريم كل ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة، سواء عبر إنتاج المحتوى أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية. وهذه المادة لم تصغ لملاحقة الناس، بل لحماية الحقوق والمجتمع من خطر المعلومات المتداولة بلا ضوابط، وفي حالة إثارة الرأي العام، يتضح أن الجريمة تقف على ثلاثة أركان:

أولا: السلوك الإجرامي، ويتمثل في نشر محتوى ممنهج أو متكرر يؤدي بطبيعته إلى التأثير على الاتجاهات العامة أو تضليل المجتمع.

ثانيا: الوسيلة الالكترونية، وهي شرط لازم، فلا تقوم الجريمة إلا باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب.

ثالثا: النتيجة أو الاحتمال الخطير، أي أثر هذا المحتوى على النظام العام أو القيم أو السلم الاجتماعي.

إذاً فإن الأنظمة السعودية فرضت العقوبات على هذا النوع من الجرائم، لما لها من قدرة على خلق بيئة فوضوية وضبابية تضعف الثقة العامة. فالعقوبة قد تصل إلى السجن لمدة تصل خمس سنوات وغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، بحسب خطورة الفعل ومدى تأثيره. وهذا التشديد لا يعني تضييقا على الحريات، بل هو عنصر توازن يحفظ للمجتمع استقراره في مواجهة أخطر أدوات العصر: المعلومات غير المنضبطة.

ولعل بيان الهيئة يؤكد أمرين مهمين:

أولا: المسؤولية النظامية لكل ما ينشر على المنصات الرقمية.

ثانيا: أن الجهات التنظيمية لن تتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي سلوك يتجاوز حدود التعبير المشروع إلى التأثير السلبي على المجتمع.

كما أن مكافحة جرائم إثارة الرأي العام ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي جزء من حماية الأمن الفكري والإعلامي للمملكة. فالدولة - رعاها الله - اليوم تعمل على خلق بيئة رقمية آمنة وموثوقة، بحيث تكون المعلومات رصينة ومؤكدة، وتكون المنصات أدوات بناء لا أدوات تحريض أو تضليل.

وفي الختام، تبقى حرية التعبير حقا أصيلا، لكن لا يمكن السماح بتحويلها إلى منصة لزعزعة الثقة أو استهداف المجتمع أو مؤسساته. ولذلك يعد تنظيم المحتوى الإعلامي ومحاسبة المخالفين ضرورة وطنية لحماية استقرار البلاد وتحصين المجتمع من الشائعات والأفكار المضرة.