تصنيف الإخوان جماعة إرهابية: لحظة كشف وانتهاء مرحلة رمادية
الخميس / 6 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 05:37 - الخميس 27 نوفمبر 2025 05:37
كيف غير قرار إدارة ترامب المشهد السياسي والأمني من واشنطن إلى الشرق الأوسط؟لم يكن قرار الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي خطوة عابرة، بل إعلان صريح عن نهاية مرحلة امتدت لعقود سمح فيها الغرب للحركة بالعمل تحت غطاء سياسي ودعوي. القرار أعاد تعريف التنظيم كما هو فعلا: شبكة عابرة للحدود تنتج التطرف وتستثمر في الفوضى، ولا تقبل بالدولة الحديثة إلا كوسيلة للوصول إلى السلطة.تصنيف الإخوان جاء في توقيت يعكس تحولا في العقل الاستراتيجي الأمريكي. واشنطن لم تعد تنظر إلى التنظيم من زاوية المشاركة السياسية، بل من زاوية تأثيره الأيديولوجي الذي شكل الممر الأكبر لصعود التنظيمات المتطرفة.لذلك لم يكن القرار محكوما بحسابات سياسية قصيرة المدى، بل برؤية أمنية تعتبر أن ازدواجية الإخوان بين الخطاب العلني والعمل السري لم تعد قابلة للتجاهل.في الشرق الأوسط، شكل القرار ضربة مباشرة لشرعية ظل التنظيم يعتمد عليها لعقود. الإخوان لطالما استفادوا من قبول دولي ضمني منحهم مساحة للتأثير من خلال واجهات سياسية وخيرية. ومع القرار الأمريكي، تنسحب هذه المظلة القانونية والدبلوماسية، وتجد الدول التي صنفت الإخوان إرهابيين منذ سنوات دعما دوليا يثبت موقفها ويعزز قدرتها على مواجهة التنظيم وشبكاته.الصدمة داخل التنظيم كانت واضحة. فالإخوان بنوا مشروعهم على خطاب يوازن بين الهدوء السياسي والتعبئة الأيديولوجية، لكنهم لم ينجحوا في الصمود أمام اختبار الشفافية. ومع التصنيف الأمريكي، دخل التنظيم في مرحلة ارتباك داخلي تظهر التباين بين جناح يحاول التنصل من الماضي وآخر متمسك ببنية العمل السري التي تشكل أساس التنظيم منذ تأسيسه.التنظيم فقد كذلك أدواته الأساسية في الحركة والتمويل. القيود المفروضة على السفر والتحويلات المالية ومراقبة المؤسسات المرتبطة به جعلت قدرته على إعادة تنظيم صفوفه في الخارج أو دعم عناصره في الداخل مهمة بالغة الصعوبة. وهذه الضغوط لا تترك مجالا كبيرا للمناورة التي اعتاد عليها الإخوان في فترات سابقة.في الولايات المتحدة، كان وقع القرار أشد. الساحة الأمريكية مثلت لسنوات أحد أهم مراكز النفوذ الإخواني، سواء من خلال منظمات مجتمع مدني أو واجهات إعلامية أو شبكات تمويلية متصلة بالخارج. ومع التصنيف، دخلت تلك المنظمات مرحلة مراقبة فيدرالية دقيقة تشمل مصادر التمويل، طبيعة الأنشطة، والعلاقات الخارجية.البيئة المالية الأمريكية لم تتسامح مع أي احتمال للارتباط بتنظيم مصنف إرهابيا. تجميد الحسابات، تعطيل التحويلات، وفتح الملفات المالية أصبحت جزءا طبيعيا من التعاطي مع أي مؤسسة يشتبه بعلاقتها بالإخوان. وعلى المستوى المجتمعي، خسرت تلك المنظمات جزءا كبيرا من حضورها بعدما أصبحت شراكاتها مع جامعات ومؤسسات حكومية محل ريبة.كما أن نشاط جماعات الضغط التي استخدمها التنظيم للتأثير على السياسات الأمريكية تراجع بشكل شبه كامل. فالتعامل مع أي جهة قد تثير شبهة ارتباط تنظيمي أصبح مخاطرة سياسية وقانونية لا يحتملها سياسيون أو مؤسسات في واشنطن. حتى الخطاب الديني في بعض المراكز والمساجد خضع لمراجعة شاملة لتفادي أي شبهة ارتباط فكري بالتنظيم.كل ذلك ينعكس على المشهد الإقليمي والدولي. فتصنيف الإخوان لا يعيد ترتيب علاقة الولايات المتحدة بالتنظيم فقط، بل يعيد ترتيب علاقة دول العالم بالحركات الإسلامية السياسية ككل. ومع تراجع الإخوان، يظهر مسار جديد يعزز الدولة الوطنية، ويحد من تأثير الجماعات العابرة للحدود التي بنت تأثيرها على استغلال المساحات الرمادية.الخلاصة، إن قرار تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي هو بداية مرحلة جديدة لا تقاس بنتائجها المباشرة فقط، بل بآثارها طويلة المدى. التنظيم الذي اعتاد التحرك بين السياسة والدين، وبين العلن والسر، يجد نفسه اليوم مكشوفا أمام واقع دولي لم يعد يقبل بمشاريع أيديولوجية تسعى للسلطة تحت عناوين دينية. لقد أعيد وضع الإخوان في حجمهم الحقيقي، وانتهت المرحلة التي سمحت لهم بالاستفادة من التردد الدولي لعقود طويلة.mr_alshammeri@