الرأي

خرافات الدواء... بين تجارب الناس وحقيقة العلم

نمر فهيد السبيلة
في زمن تتوفر فيه الأدوية بسهولة، أصبح من السهل أن نحصل على أي علاج دون وصفة أو استشارة. البعض يثق في تجربة صديق، وآخر يعتمد على بحث عابر في الإنترنت، وثالث يحتفظ بأقراص «قديمة» لعلها تنفعه يوما. لكن الحقيقة أن هذا النوع من «التجارب الذاتية» قد يكون بداية رحلة مرض لا نهاية لها.كم مرة سمعت أحدهم يقول «هذا الدواء استخدمته وناسبني، خذه أنت أيضا»؟جملة تبدو بريئة، لكنها تحمل خطرا حقيقيا. فالجسم يختلف من شخص لآخر، وما يصلح لغيرك قد يسبب لك مضاعفات خطيرة. الدواء ليس وصفة طعام يمكن تقليدها، بل تركيبة دقيقة تؤثر في كيمياء الجسم، ويجب أن تستخدم تحت إشراف طبي.تشير تقارير هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إلى أن تناول الأدوية دون وصفة طبية هو أحد أكثر الأسباب شيوعا للأعراض الجانبية غير المتوقعة. وتقدر الهيئة أن أكثر من 60 ألف حالة طوارئ سنويا في الولايات المتحدة سببها تناول أدوية بطريقة غير صحيحة أو دون استشارة مختص. والأسوأ أن بعض هذه الحالات تنتهي بمضاعفات دائمة أو فشل كلوي أو كبدي.وفي مملكتنا الحبيبة، تبذل الهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA) جهودا كبيرة في ضبط صرف الأدوية ومتابعة الصيدليات للتأكد من الالتزام بالوصفات الطبية، حفاظا على صحة المجتمع. ومع ذلك، يبقى الوعي الفردي هو الأساس. فالمسؤولية لا تنتهي عند باب الصيدلية، بل تبدأ من وعي المريض نفسه.خذ مثلا المضادات الحيوية، مثل أموكسيسيلين (Amoxicillin). كثيرون يتناولونه عند أي التهاب أو حرارة، ظنا أنه الحل السريع. لكن الاستخدام العشوائي للمضادات يخلق ما يعرف بـ«مقاومة البكتيريا»، أي أن البكتيريا تصبح أقوى ولا تتأثر بالدواء مستقبلا، فيفقد فعاليته. هذه الظاهرة باتت تهدد الطب الحديث، حتى أن منظمة الصحة العالمية حذرت من أن العالم قد يدخل «عصر ما بعد المضادات الحيوية» إذا استمر هذا السلوك الخاطئ.وهناك أيضا أدوية شائعة تستخدم بشكل مفرط دون وعي، مثل الإيبوبروفين (Ibuprofen) لتخفيف الألم والالتهاب. صحيح أنه معتمد من الـFDA، لكنه قد يسبب نزيفا في المعدة أو فشلا كلويا عند استخدامه لفترات طويلة أو بجرعات عالية. الأمر نفسه ينطبق على أدوية البرد والسعال التي تحتوي على مواد منبهة أو مثبطة للجهاز العصبي، والتي قد تسبب الإدمان عند سوء استخدامها.الدواء ليس عدوا، لكنه يحتاج إلى وعي في طريقة الاستخدام. لذلك، قبل أن تأخذ حبة أو تفتح علبة علاج، اسأل نفسك: هل وصفها لي الطبيب؟ هل أعرف آثارها الجانبية؟ هل أحتاجها فعلا؟تذكر أن الطبيب لا يكتب الدواء عبثا، بل بعد أن يوازن بين الفائدة والضرر لكل حالة على حدة.ولمن يرغب بالتحقق من سلامة الدواء، يمكن زيارة المواقع الرسمية لهيئتي FDA وSFDA، حيث تنشر قوائم الأدوية المعتمدة والمصرح بها، مع تفاصيل الاستخدام والتحذيرات. فالمعلومة اليوم متاحة، وكل ما نحتاجه هو أن نبحث من المصدر الصحيح.وفي النهاية، تبقى القاعدة الذهبية «لا تجرب على نفسك... فصحتك ليست ميدانا للتجارب».NimerAlsabeelah@