أخبار للموقع

عيده العطوي… امرأةٌ تنسج خيوط الشمال كما تُنسَج الحكايات

من رائحة الصوف إلى أضواء “بنان”… ثلاثون عامًا من السدو الذي يحفظ ذاكرة المكان والنساء

في رائحة الصوف الطبيعي، وفي خيوط تمتد من ذاكرة الصحراء إلى أصابع امرأة لا تزال تحمل إرث الأمهات، تقف عيده العطوي بوصفها واحدة من أبرز الحرفيات السعوديات اللاتي حافظن على حرفة السدو، تلك الصناعة البدوية الضاربة جذورها في عمق تاريخ الجزيرة العربية، والتي ارتبطت دومًا ببيوت الشعر والبداوة وأغاني الرحيل.عيده، القادمة من مدينة تبوك، بدأت رحلتها مع السدو قبل ثلاثين عامًا، حين كانت تجلس إلى جانب والدتها التي أتقنت الحرفة وأورثتها إياها كما تُورَّث الحكايات، على يدَي الأم تعلّمت عيده كيف يتحوّل الصوف إلى خيط، والخيط إلى نسيج، والنسيج إلى قطعة تحمل لون الأرض ورائحة المكان وروح المرأة التي تصنعها.ومع مرور السنين، لم تتوقف عيده عند الشكل التقليدي للحرفة، بل طوّعتها لتناسب احتياجات اليوم، تصنع من السدو الطبيعي والقطني والصناعي منتجات متنوعة، من بينها الشنط النسائية، والحقائب اليدوية، والشالات، واللوحات التراثية، والكتابة بالسدو، وهي مهارة دقيقة تتطلب احترافًا في ضبط الخيوط وتوزيع الألوان.هذه القدرة على الجمع بين الأصالة والابتكار جعلت منتجاتها مطلوبة من جمهور واسع، خاصة أنها تعمل من بيتها حسب الطلب، أو عبر مشاركاتها المستمرة في المهرجانات والفعاليات العامة التي تجمع الحرفيين من مختلف مناطق المملكة.وتروي عيده كيف ساعدتها الحرفة على بناء حضورها في مجتمعها المحلي، وكيف فتحت أمامها بابًا جديدًا لتأسيس مشروع خاص تعتمد فيه على موهبتها وإرثها العائلي، مؤكدة أن السدو ليس مجرد صناعة، بل جزء من هوية المرأة في شمال المملكة، وصوت من أصوات التراث التي يجب أن تظل حيّة.وفي مشاركتها ضمن فعاليات الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان”، الذي تنظمه هيئة التراث، تجذب عيده أنظار الزوار بقطع صنعتها بخيوط صبرها، وبمهارة تعلمتها من أم كانت ترى في السدو لغة لا تفهمها إلا النساء اللاتي يسكنّ الصحراء، ويعرفن كيف يحوّلن خيطًا واحدًا إلى قصة طويلة، وكأنها تحيك ليس فقط منتجات، بل جسرًا بين الماضي والحاضر، وتكتب بخيوط السدو ذاكرة لا تنطفئ مهما تغيّر الزمن.