الرأي

خذلان

محمد عبدالله البقمي
ماذا لو كان للشعور الإنساني مذاق؟ فما مذاق شعورنا بالخذلان؟ تلك العاطفة 'المتربصة' على حدود النهايات، بعد أن مرت البدايات في مواكب الحب والثقة والعطاء والأمل، فإذا بخيبة الأمل تنشب أظفارها في كل مرة في روح أحدهم! حتى تعيده يلملم أشتات قلبه وأشلاء توقعاته من طريق الأمل الموءود تحت رمال الجحود والنكران!ترى ما باعث الإنسان على الخذلان؟ وهل الخاذل والغادر في ميزان الأخلاق سواء؟ وهل منا من لم يشعر بخيبة الأمل يوما؟يجمع العارفون أن شعورنا بالخذلان من أحدهم وخيبة أملنا فيه، إنما سببها نحن حين وضعنا الثقة في غير موضعها، وتكبر خيبة الأمل تلك بقدر حبنا وثقتنا في ذلك 'الخاذل'، فكلما زاد الحب وارتفعت التوقعات والآمال، كان السقوط مدويا حين تتجلى حقيقته خلاف ما كنا نأمل!ربط العارفون بين شعورنا بالخذلان وبين ما يعرف في ميدان علم النفس 'باضطراب القلق'، الذي يقع حين نسعى لإرضاء من حولنا على حساب أنفسنا، ولو أن من حولنا لا يجزون الإحسان بمثله، والوفاء بقدره، إنما هو شعور تملكنا منذ الصغر نتيجة تربية سلوكية خاطئة، تشكلت مع تجاربنا التكوينية المبكرة، حتى صرنا نسعى لنرسم صورة مثالية عن ذواتنا في أعين الجميع. والنتيجة مؤلمة حين نقع 'نحن' ضحايا لتجاهل 'البعض' وربما 'الكثير' من الناس، وجحودهم لما قدمناه لهم بكل حب وحرص!الحقيقة أن شعور الخذلان قديم قدم الإنسان، وغالب من يذوق مرارة هذا الشعور هم الطيبون المحبون الحريصون على مشاعر من حولهم، من يحبون ويعطون بلا حساب ولا تردد، فقط لأنهم جبلوا على الحب والعطاء والتسامح، في محيط جبل على حب الذات والأخذ والتربص!مما سطرته تجارب البشر في مدرسة السلوك، إياك والتوقف 'طويلا' في محطات الخذلان، لأنك إن تفعل، فغالبا لن يبقى في حياتك الكثير من الناس. كما أن مكوثك الطويل يولد الغضب، والغضب عدو القلب والعقل، وصحتك أثمن من أن تهدر بلا ثمن، فلا تكن في مرمى سهام الخاذل؛ فيكون حالك كحال القائل:ما كنت أحسبهم يرجون لي ألمالكن رموني بسهم هد أركانيولكن ارسم لنفسك طريقا يخرجك من قيعان خذلانهم، إلى فضاءات طموحاتك، وتذكر ثقة الحمداني في قوله:سيذكرني قومي إذا جد جدهموفي الليلة الظلماء يفتقد البدر