الرأي

حين ينكشف الوجه الحقيقي لقدراتك

حنان درويش عابد
هناك لحظة خفية لا يراها أحد، تشعر فيها وكأن بابا صغيرا يفتح في داخلك. ليست لحظة وحي ولا قفزة عبقرية، بل هي تلك الومضة التي تدعوك لتسأل نفسك:ماذا يمكنني أن أكون لو أعدت اكتشاف نفسي؟اكتشاف المواهب ليس تدريبا عابرا، ولا دورة تختتم بشهادة، بل هو رحلة وعي تبدأ من الداخل قبل أن تترجم إلى أداء، وتكبر كلما اتسعت رؤيتك لذاتك. نحن لا نكتشف موهبة جديدة بقدر ما نزيل الغبار عن قدرات موجودة نسيتها الأيام، وغمرتها الالتزامات، وأرهقتها توقعات الآخرين.نولد جميعا ببذور مواهب مختلفة، لكن القليل فقط يملك الشجاعة ليبحث عنها بصدق، ويصغي إلى صوتها حين تدق من عمق التجربة. المهارة ليست شيئا نتعلمه فقط، بل حالة نكتشف بها معنى الحياة من خلال ما نستطيع أن ننجزه بإتقان ومحبة.في عالم متسارع، تضيع مواهب كثيرة تحت ضغط «ما يجب فعله» بدل «ما يمكن أن نبرع فيه». وهنا يبدأ التشوه.. نركض في مسارات ليست لنا، ونقيس أنفسنا بمقاييس لا تشبهنا، ونغفل عن منطقة القوة التي خلقنا لننمو فيها.لكن حين نتوقف قليلا، وننظر إلى ما نفعله بحب، وإلى ما يمنحنا شعور الإنجاز الطبيعي دون مبالغة، سنرى أن المهارة ليست هدفا، بل مفتاح لباب واسع من الرضا الداخلي والاستقرار المهني.اكتشاف المواهب يحتاج ثلاثة أمور أساسية:أولا: صراحة مع النفسأن تعترف بما تحبه فعلا، لا بما اعتدت قوله لإرضاء مجتمع أو وظيفة. أن ترى العيب بصراحته، والقوة بوضوحها. فالمهارة تولد من الصدق.ثانيا: تجربة لا تخاف الفشلالخشية من الخطأ تقتل أكثر المواهب جمالا. كل تجربة جديدة - حتى لو انتهت بفشل - تفتح نافذة لفهم أعمق لقدراتك.ثالثا: بيئة تحتضن النمولا تتفتح المواهب في تربة قاحلة. نحتاج بيئة تؤمن بنا، تقودنا دون فرض، وتسمح لنا بالتعبير عن أفضل ما لدينا دون خوف.حين يكتشف الإنسان مهارته الحقيقية، تتغير علاقته بذاته وبعمله. تنخفض مقاومته للحياة، ويصبح الطريق واضحا، ويتحول الأداء من «واجب» إلى «شغف». هنا فقط يشعر المرء بالتماسك الداخلي، وكأنه عاد إلى مكانه الطبيعي الذي كان يبحث عنه منذ زمن.ولأنني أؤمن بأن رحلة المواهب جزء من جودة الحياة المؤسسية والفردية معا، فإن كل مؤسسة لا تتيح للعاملين فيها فرصة اكتشاف قدراتهم ستظل تعيد إنتاج الأداء نفسه، دون نقلة حقيقية أو أثر مستدام.في النهاية... اكتشاف المواهب ليس رفاهية، بل هو الطريق الأقصر لصناعة الإنسان الذي يليق بطموحه. وحين يعرف الإنسان مهارته، يعرف رسالته، وتبدأ الحياة بالانفتاح له كما لو أنها كانت تنتظره منذ زمن.هذه ليست دعوة للتعلم فقط... بل دعوة لتكتشف نفسك من جديد.hananabid10@