المواطنة: بين تحديات التحسس وفرص التجنس
الاثنين / 3 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 02:49 - الاثنين 24 نوفمبر 2025 02:49
تمثل المواطنة العلاقة الجوهرية التي تربط الفرد بالدولة، محددة حقوقه وواجباته. وفي خضم الحراك السكاني العالمي، تبرز مسألة التجنس كآلية قانونية لاكتساب هذه المواطنة في ظروف محددة ووفقا لشروط معينة تحددها كل دولة وفقا لأنظمة سياساتها. أما مفهوم المواطنة الحقيقية التقليدية يكمن في أحقية الأصل والمنشأ وربما أيضا ولادة في بعض الأحيان، فيظل مرهونا بهذا المفهوم التحسس من أهمية الاندماج الوطني والاجتماعي والنفسي للمواطن الأساسي وبالرغبة في التحسن والتطوير المستمر للطبيعة الديمغرافية للسكان، ليصبح الفرد مواطنا كاملا في القانون والوجدان والواقع النظامي الاجتماعي والاقتصادي للدول.. إن المقارنة بين التجارب العالمية تكشف عن نماذج متباينة، بعضها يعزز عموم الشمولية وآخر يكرس خصوص الانغلاق.أولا: التجنس كبوابة للاندماج وفرص التحسن والاندماج الوطني (النماذج الإيجابية):تتبنى العديد من الدول سياسات توسعية تهدف إلى تسهيل حصول المقيمين المبرزين والمميزين على الحق في طلب المواطنة، معتبرة ذلك قوة دافعة للتنمية ورافعة للصورة الذهنية للدولة واقتصاديات الوطن. هذه النماذج غالبا ما ترتكز على مبدأ حق المعيشة ضمن الوطن أو الإقليم (Jus Soli)، حيث تمنح دول مثل الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والأرجنتين الجنسية تلقائيا لكل من يولد على أرضها. إن جوهر هذه النماذج الإيجابية يكمن في استثمار فرص التحسن عبر التنوع الديمغرافي الاجتماعي والاقتصادي لهذه الدول ربما بشكل مفرط أحيانا قد تضع له شروطا محددة.وعادة ما تستفيد الدول من تنوع مواطنيها وتعمل على دمجهم من خلال سياسات التعددية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مع أهمية الحفاظ على الولاء الوطني أولا. هذه السياسات لا تكتفي بمنح الوثيقة (التجنس)، بل تضمن بيئة حاضنة تعزز «تحسس» الفرد بالانتماء، حيث ينظر إلى اختلافه الثقافي كقيمة مضافة للمجتمع، مما يضمن أن المساواة القانونية تترجم إلى مساواة واقعية في المشاركة والفرص.ولعل من نافلة القول إنه جرت العادة أن يكون التحسس لدى بعض مواطني هذه الدول على عكس الأغلبية من المواطنين، وبالطبع وفقا لرؤى القيادة السياسية الحكيمة لهذه الدول التي ترعى مصالح مواطنيها كافة بكل عدل وإنصاف ومساواة.ثانيا: تحديات التحسس والقيود السلبية (نماذج متباينة):في المقابل مما سبق من النماذج التي تبدو إيجابية، تظهر تحديات التحسس عندما تفشل بعض الدول في تحقيق الاعتراف الاجتماعي الكامل بالمتجنسين، حتى بعد استيفاء الشروط القانونية الموجبة لذلك. هذا الواقع غالبا ما يتجلى في الدول التي تتبع سياسات أو خصوصية الانغلاق، وتعتمد بشكل أساسي بالحفاظ على حق المواطنة لأبناء الوطن الأصليين مع تضييق كبير على فرص التجنس لغيرهم. هذا النمط المنتشر في العديد من الدول ذات الهويات الوطنية الصارمة، قد يخلق فجوة عميقة ليس فقط بين المواطن الأصلي والمقيم الأجنبي فحسب، ولكن أيضا بين المواطن المتجنس والمواطن الأصلي، مما يقوض أي شعور حقيقي بالانتماء للوطن الواحد أو على الأقل ما يمكن وصفه بـ»التحسس».هذا التقييد ينتج فئة من «المواطنين الناقصين» أو غير مكتملي الأهلية للمواطنة، والذين قد يساهمون في تنمية الاقتصاد ورفعة أسهم المشاركة الدولية في العديد من المنافسات الدولية والممارسات الأممية لكنهم محرومون من بعض الحقوق الكاملة للمواطنة أو من حتى أحيانا بالشعور بالاستقرار النهائي في تلك الدول. ومما يزيد الأمر سوءا، وجود أنظمة قد تميز بين فئات الوطن الواحد في بعض الفرص المتاحة.ثالثا: المواطنة الاستثمارية ذات القيمة المضافة (نماذج الفرص):أما بخصوص المواطنة الاستثمارية (CBI)، فقد ظهرت كحالة تحتاج إلى فرص التحسن المستمرة رغم وجود بعض الجوانب السلبية، والتي تتمثل في تحويل الجنسية إلى سلعة ولكن من منطلق إيجابي هو السعي المستمر عبر التحسن لربط الاستثمار بمشاريع تنموية مستدامة، بدلا من مجرد الأثر المالي، لضمان أن تكون العوائد المترتبة على ذلك تساهم في رفع مستويات جودة الحياة في الدولة والمجتمع بصورة أعمق من مجرد صفقة مالية استثمارية اقتصادية. لذا برزت أهمية تجنيس بعض الكفاءات العلمية البارزة والعملية المبرزة في شتي مجالات الحياة.الخلاصة: التحسن المستدام كشرط للمواطنة المتكاملةإن المواطنة الحقيقية هي حصيلة توازن دقيق بين المواطنة الأصلية وغيرها من التجنس وخلافه كإجراء قانوني، مع مراعاة التحسس في الانتماء الوجداني والولاء الحقيقي للوطن، مع أهمية التحسن كالتزام دائم بالتطوير في جودة الحياة لكل من المواطن والمقيم على أرض الوطن الواحد. إن نجاح أي دولة عالميا مرهون بقدرتها على تحويل كل من المواطن الأصلي والمواطن المتجنس إلى مواطن فاعل وفقا للكفاءة والولاء بالالتزام بأهلية المواطنة الحقة، ويشعر بالمساواة التامة في ظل التنوع الاجتماعي والثقافي الذي تختاره الدولة وفقا لأنظمتها القانونية المقدرة والمعتبرة.وهذا لا يتحقق إلا من خلال التحسن المستمر في الأنظمة والقوانين والسياسات، لضمان ألا تقف تحديات التحسس حائلا أمام تحقيق فرص التحسن المنشودة في تكامل جميع أفراد المجتمع والوطن الواحد، وبالطبع اعتمادا على مبادئ الكفاءة والولاء في المواطنة وما يحققه المواطن بصفة عامة من قيم مضافة إلى الوطن.aabankhar@