عقالٌ ينسج الحكاية… كيف وصل إرث الأحساء إلى منصة “بنان”؟
صالح السلطان يعيد للعقال الحساوي بريقه.. يومٌ كامل من الحرفة لينبض الخيط بهويةٍ لا تُصنع آليًا.
الاحد / 2 / جمادى الآخرة / 1447 هـ - 07:11 - الاحد 23 نوفمبر 2025 07:11
في أروقة الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية 'بنان'، الذي تنظمه هيئة التراث، كان حضور صالح السلطان من الأحساء لافتًا؛ ليس فقط لأنه يمارس واحدة من أدق الحرف المرتبطة بالزي العربي، بل لأنه يمثّل امتدادًا حيًا لإرث عائلي حافظ على صناعة العقال الحساوي اليدوي جيلًا بعد جيل.هناك، وقف صالح بين خيوطه وأدواته، يروي للزوار كيف تتحول مادة بسيطة إلى قطعة تحمل الكثير من الرمزية والهوية. يقول صالح إن دخوله عالم العقال لم يكن قرارًا مخططًا، بل نتيجة طبيعية لسنوات طويلة قضاها إلى جوار والده، الذي كان واحدًا من صناع العقال المعروفين في المنطقة. كان يرى بأم عينيه كيف تُدار الحرفة، وكيف يتحول الخيط إلى دائرة متينة، وكيف يُعاد تشكيله وفق قواعد دقيقة تحتاج إلى مهارة وصبر. ومع مرور الوقت، أصبح يتقن حركة اليد، ويعرف كيف يوازن بين الشد والمرونة، وكيف يمنح كل عقال سمته الخاصة. ويشير إلى أن العقال اليدوي يتطلب يومًا كاملًا من العمل المتواصل، ففي كل قطعة، هناك مراحل تبدأ بخياطة الخيط الأساسي، ثم لفّه وتثبيته، وانتهاءً بعملية الإحكام التي تمنحه صلابته وشكله النهائي. ومع أن كثيرين قد يرون في العقال قطعة بسيطة، إلا أن صنعته — كما يصفها — “عمل هندسي دقيق يتطلب تركيزًا عالياً وتناسقًا بين العين واليد”. ورغم اعتماد الحرفة على الخبرة اليدوية، إلا أن جودة الخيط هي العامل الأهم في نجاح القطعة.ولهذا، يستورد صالح خيوطه من ألمانيا وإنجلترا، نظرًا لقوة خيوطهما وقدرتها على تحمل الضغط والالتواءات المتكررة التي تحتاجها صناعة العقال. ويؤكد أن الإقبال على العقال الحساوي اليدوي لا يزال مرتفعًا، لأن كثيرين يعتبرونه جزءًا أصيلًا من الزي التقليدي الذي لا يمكن استبداله بالمنتجات الآلية. لكن ما يميز قصة صالح في 'بنان' هو الطموح الكبير الذي يحمله. فهو يعمل مع شقيقه محمد على التخطيط لإنشاء مصنع محلي للخيوط عالية الجودة، يهدف إلى توفير خامات تنافس المستورد وتلائم الحرف اليدوية السعودية. بالنسبة له، هذا المصنع سيكون خطوة استراتيجية لدعم الحرفيين وتطوير صناعة العقال وسلسلة الإنتاج بالكامل، بدل الاعتماد في مرحلة مهمة من مراحل الحرفة على خيوط أجنبية. ويقول صالح إن تصنيع الخيط محليًا سيمنح الحرفة قيمة إضافية، ويخلق استقلالًا أكبر لصناع العقال، كما سيسهم في تعزيز الاقتصاد الحرفي في الأحساء والمملكة عمومًا، وتدور خطته حول إنتاج خيوط بمواصفات خاصة تلائم طريقة الالتواء اليدوي، وتضمن صلابة العقال وشكله المتقن. وفي جناح 'بنان'، لم يكن الزوار يمرّون مرورًا سريعًا، كانوا يتوقفون طويلاً أمام حركات يديه، يستمعون لشرح مراحل الصنعة، ويقارنون بين اليدوي والآلي، بينما يلمسون بأنفسهم الفرق بين قطعة تحتاج يومًا كاملًا وأخرى تنتجها آلة في دقائق. وبالنسبة لصالح، فإن هذا الاهتمام يعكس أن الحرف التقليدية لا تزال جزءًا حيًا من الهوية، وأن مستقبلها يمكن أن يكون أكثر إشراقًا إذا امتلكت أدوات التطوير والتحديث. ويرى صالح أن حلمه اليوم ليس فقط في استمرار الحرفة داخل أسرته، بل في أن يرى العقال الحساوي حاملًا لخيوط مصنوعة محليًا، أقوى جودةً، وأعمق ارتباطًا بالتراث. “العقال ليس مجرد جزء من الزي... هو قصة وهوية، وقطعة تحمل تاريخًا كاملًا بين طبقات خيطها”، يقول ذلك وهو يواصل تشكيل قطعة جديدة، كما لو أنه يكتب جزءًا جديدًا من حكاية بدأت عند والده... وتستمر اليوم بيديه.