هل إدارة الذكاء الاصطناعي أكثر عدالة من البشر؟
الخميس / 29 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 04:41 - الخميس 20 نوفمبر 2025 04:41
الذكاء الاصطناعي واقع، وإن لم يكن حاضرا بقوة اليوم فسيكون قريبا، وقد يحدث نقلة نوعية في الإدارات العليا وقيادتها، وفي كيفية استثمار هذه المنظمات لمواردها البشرية والمادية بشكل أمثل، وابتكار آليات جديدة أكثر ذكاء في إدارتها وصناعة القرار وتوفير الموارد.فالبشر ما زالوا معرضين للخطأ وعدم الدقة، ولطبيعتهم الانحيازية والخلفيات الثقافية التي تؤثر في الأحكام والقرارات، وقد تمنح أحكاما مسبقة، إضافة إلى المحاباة وقلة الموضوعية على حساب الكفاءات، والميل للتوافق مع الآراء السائدة وتجنب التفكير النقدي المستقل، مما يضر بعملية صنع القرار، بل وقد يضع البعض مصالحهم الشخصية أحيانا فوق المصالح العامة، بينما يظل الذكاء الاصطناعي يراقب ويقرر بلا عاطفة، بلا تحيز، وبلا أي ضعف بشري؛ وهنا يبرز السؤال الجوهري والفلسفي والأخلاقي: هل يمكن للذكاء الاصطناعي والآلة أن يكونا أكثر عدالة من الإنسان في إدارة الأعمال واتخاذ القرارات؟ينظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه نظاما يعتمد على البيانات والمنطق الخالص، بعيدا عن العواطف والمصالح الشخصية التي كثيرا ما تؤثر على قرارات البشر، فالآلة لا تجامل، ولا تخشى فقدان منصب، ولا تتأثر بمزاج يومي أو ضغوط اجتماعية، هذه السمات تجعل البعض يرى أن إدخال الذكاء الاصطناعي في مجالات الإدارة والعدالة قد يحد من الانحيازات البشرية ويقود إلى قرارات أكثر نزاهة وموضوعية.شهد العالم في السنوات الأخيرة أولى التجارب الفعلية لدمج الذكاء الاصطناعي في المستويات الوزارية، ففي ألبانيا، أعلن عام 2025م عن تعيين نظام ذكاء اصطناعي يدعى «دييلا» وتعني «الشمس»، كأول وزيرة رقمية تشرف على المنافسات العامة والمناقصات، ويهدف هذا القرار إلى الحد من الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة في إدارة العقود الحكومية، أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد تبنت الحكومة «النظام الوطني للذكاء الاصطناعي» كمستشار رسمي لمجلس الوزراء، في خطوة تهدف إلى دعم القرار الحكومي بالمعلومات الدقيقة والتحليل التنبؤي.تعكس هذه النماذج المبكرة توجها عالميا نحو إدخال الذكاء الاصطناعي في قلب الإدارات العليا، ليس بديلا عن الإنسان، بل شريك استراتيجي يعزز الكفاءة والعدالة في اتخاذ القرار.في السياق ذاته، تطرق عدد من الدراسات الحديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على تعزيز قيم العدالة والنزاهة والصدق والإنصاف في اتخاذ القرارات، إذ يسهم في تحسين الشفافية والحوكمة عبر توثيق جميع خطوات اتخاذ القرار، وتقليل تأثير المزاج البشري أو المحاباة، مما يقلل التحيز في تقييم الأداء وإصدار القرارات. كما تبرز الدراسات أهمية إعادة هيكلة العمليات الإدارية لتصبح أسرع وأكثر كفاءة، مع إمكانية التنبؤ بالأزمات وإصدار توصيات استباقية. ومع ذلك، تحذر هذه الدراسات من أن هذه الفوائد لن تتحقق بالكامل إلا إذا تم تصميم الأنظمة بشكل صحيح، مع وجود أطر حوكمة واضحة ومعايير أخلاقية، وإشراف بشري مستمر لضمان الإنصاف وعدم إعادة إنتاج التحيزات والتمييز وعدم تكافؤ الفرص.لكن الواقع أكثر تعقيدا، فأنظمة الذكاء الاصطناعي لا تنشأ من فراغ، بل تتغذى على بيانات مصدرها الإنسان نفسه، وتشير دراسات صادرة عن معهد ماساتشوستس للتقنية وجامعة أكسفورد، إلى أن أكثر من 70% من نماذج الذكاء الاصطناعي التي طبقت في مجالات التوظيف أو تقييم الأداء أظهرت انحيازا غير مباشر تجاه فئات معينة، بسبب طبيعة البيانات المستخدمة في مدخلاتها، فإذا كانت تلك البيانات تعكس تاريخا من التمييز أو ضعف الشفافية، فإن النظام الآلي سيعيد إنتاج الظلم ولكن في صورة «مؤتمتة» يصعب اكتشافها بسهولة.ومهما بلغت دقة الآلة، تبقى العدالة قيمة إنسانية في جوهرها؛ فالعقل الاصطناعي يحتاج إلى ضمير بشري يوجهه ويراقبه، لأن أي خطأ في البرمجة أو انحياز في المدخلات قد يقودان إلى قرارات كارثية يصعب تصحيحها، لذلك، يرى خبراء الأخلاقيات التقنية أن الحل الأمثل هو التكامل بين الإنسان والآلة، لا الاستبدال الكامل لأحدهما بالآخر.إن تطوير أنظمة ذكية تلتزم بالشفافية وتستند إلى معايير العدالة والمساءلة يمكن أن يحدث نقلة نوعية في كفاءة القرار الإداري، ويعزز الثقة بين المواطن والمؤسسة. فحين تدمج القيم الإنسانية مع القدرات التقنية، يمكن أن تولد إدارة عادلة، دقيقة، وموثوقة، تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والنظام، وتضع الذكاء في خدمة العدالة، لا العكس.اليوم يستخدم الذكاء الاصطناعي في دعم اتخاذ القرار الإداري والوزاري عبر تحليل البيانات الضخمة وتقديم توصيات دقيقة وسريعة، وفي اختيار الكفاءات وتقييم الأداء بعدالة، والمراقبة والتحليل الفوري، والتنبؤ بالأزمات والمخاطر قبل وقوعها. فهل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الوزير أو المدير؟ الجواب: (لا أعلم)، والقضية جدلية، لكن من المؤكد أنه يساهم في جعل القيادة أكثر وعيا وموضوعية وعدالة في إدارة الموارد البشرية والمادية واتخاذ القرارات الكبيرة.3OMRAL3MRI@